-A +A
محمد مفتي
حصدت جائحة كورونا التي انتشرت في العالم كله كالنار في الهشيم، أرواح عشرات بل مئات الآلاف من المصابين في شهورها الأولى، وقد تجاوزت أعداد الوفيات في العالم حتى كتابة هذه السطور حاجز ستة ملايين نسمة، وهو ما أثار الهلع بين الجميع بسبب سرعة انتشارها، وقد كان تأثير الجائحة أشد وطأة خلال الشهور الأولى في ظل غياب اللقاحات المضادة للفايروس، الأمر الذي أدى إلى تطبيق غالبية الدول العديد من الإجراءات والتدابير الاحترازية لتقليص أعداد المصابين والتحكم في تداعيات الأزمة، كونها أصبحت أزمة صحية كونية قد تتسبب في تداعيات أخطر إن لم يتم تداركها بشكل سريع.

وقد كانت المملكة العربية السعودية على مستوى الحدث في التعامل مع الأزمة، حيث سارعت باتخاذ العديد من الإجراءات التي من شأنها التقليل من وقع الكارثة، وقامت بفرض حظر التجوال خلال فترة ذروة انتشار المرض، وعلّقت العمل بالدوائر الحكومية مع استمرار منح كافة المزايا المالية للموظفين دون الانتقاص منها، كما سارعت بتقديم كافة الخدمات التي يحتاجها المواطن عبر برامج الحكومة الإلكترونية التي تبناها الأمير الشاب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حرصاً منه على توفير كافة الخدمات بالشكل الذي ييسر احتياجات المواطن والمقيم، دون الحاجة للتعامل المباشر الذي قد يساهم في زيادة أعداد المصابين على نحو مضطرد.


من المؤكد أن اهتمام أي دولة بتطوير القطاع الصحي يعكس درجة اهتمامها بمواطنيها؛ لذلك بادرت حكومة المملكة بتوفير اللقاحات التي طورتها المراكز الصحية العالمية فور طرحها في الأسواق، وقد وفرت العديد من شركات تطوير اللقاحات العالمية العديد منها، غير أن المملكة قامت بدراسة أفضل ما تنتجه الشركات من تلك اللقاحات وحرصت على توفيره، ولا شك أن التنافس الدولي على شراء تلك اللقاحات قد أثار بعض الشك في إمكانية توفيره لكل مواطن، خاصة في ظل تطلب ثلاث جرعات لكل فرد، غير أن المملكة تمكنت بفضل الله من توفير عدد الجرعات الكافية من اللقاح وفي التوقيت الملائم تماماً، ومن المؤكد تماماً أن الحكمة وحسن الإدارة التي تمتعت بهما المملكة خلال إدارتها تلك الجائحة أسهما كثيراً في تقليل عدد الإصابات والوفيات على نحو ملحوظ، وهو ما استدعى احتفاء المنظمات العالمية بأداء المملكة وحسن إدارتها لتلك الأزمة.

في بداية حملة التطعيم تولدت الشكوك لدى الكثيرين بشأن مدى فاعلية اللقاحات ومدى خطورة آثارها الجانبية، وهو ما تمثل في ضعف الإقبال على تلقي اللقاح في الأسابيع الأولى لانطلاق الحملة، غير أن الاضطراد في ارتفاع الإصابات وانتشار المرض، إضافة إلى ثقة المواطن في البيانات التي تصدرها الجهات المختصة في المملكة؛ ممثلة في وزارة الصحة، ساهم كثيراً في كسر حاجز الخوف والقلق، وهو ما أدى إلى زيادة الإقبال على تلقي الجرعات الضرورية من اللقاح، كما أن الإجراءات الحاسمة التي تبنتها الدولة -كشرط الحصول على اللقاح لدخول المرافق المختلفة- ساهم في زيادة الإقبال على تلقي الجرعات اللازمة.

من الواضح أن مؤشرات انخفاض عدد الإصابات بهذا الوباء في المملكة، الذي أعقبه إلغاء العديد من الإجراءات الاحترازية هو دليل دامغ على نجاح خطة الدولة في احتوائه وعلى نجاحها في إدارة الأزمة بكفاءة، ولعل من أصيب بالوباء فحسب هو من يشعر بجهود الدولة في حماية مواطنيها، فقبل شهرين أصيب بعض أفراد أسرتي بهذا الفايروس، ولقد لاحظت أن تأثير الإصابة به لم يتعدَّ تأثير الإصابة بالبرد (مثل ارتفاع بسيط في درجة الحرارة)، ومن فضل الله أن أسرتي كانت من السباقين في تلقي اللقاح وهو ما انعكس في خفض خطورة أعراض هذا المرض القاتل على نحو ملموس، الأمر الذي أشعرنا جميعاً بأنها أزمة عابرة لا تستحق حتى التفكير فيها.

في المقابل يجب التنويه بأن عدم اختفاء مرض كورونا بالكامل -رغم النجاحات الباهرة في احتوائه- يستدعي أيضاً بعض الحذر، ولا يعني رفع الإجراءات الاحترازية عدم توخي الحذر -على الأقل- حتى تختفي هذه الأزمة عالمياً، فمن المهم متابعة أحوال الدول المختلفة التي تنتشر فيها الإصابة بشكل كبير وعدم السفر إليها، فجهود الدولة وحدها لن تكفي للقضاء على تداعيات المرض الحادة، بل تحتاج منا جميعاً تعاضداً وتكاتفاً قوياً لنخرج من تلك الأزمة التي اجتاحت العالم بأكمله آمنين سالمين.