-A +A
صدقة يحيى فاضل
الترتيبات الأمنية والدفاعية الغربية الكبرى مترابطة تماما، وتبدو شبه موحدة، ضد «الأخطار المشتركة»، التي تتصدرها الصين الآن، بالنسبة لهذا الغرب، الذي تقوده أمريكا؛ لذلك فإن الحديث عن الاتفاق الأمني الثلاثي، بين أستراليا وأمريكا وبريطانيا، المبرم مؤخرا، يجر -بالضرورة- للحديث عن الترتيب الأمني الغربي الأكبر، المتمثل في حلف «ناتو»، الذي احتفل، خلال اجتماعه السنوي الدوري على مستوى القمة، يومي 3-4 ديسمبر 2019، قرب لندن، بمناسبة مرور سبعين عاما على إنشائه. ولكن، صاحب هذا الاحتفال ظهور عقبات وخلافات، تواجه تماسك الحلف، ونشوب توترات فيما بين أبرز أعضائه، اعتبرت تهديدا لاستمرار الحلف العتيد، وبوادر لتصدع قريب في بنيانه. وعقد آخر اجتماع لوزراء الدفاع في الحلف، يوم 21 أكتوبر 2021.

وأتى حلف «أوكوس» (AUKUS) المعلن بين كل من: أمريكا، وبريطانيا، وأستراليا، يوم 15 سبتمبر 2021، ليفاقم من هذه الخلافات، خاصة بين فرنسا، وكل من بريطانيا وأمريكا. بعض المراقبين يرون أن «أوكوس» سيكون إضافة إيجابية لحلف ناتو، وللإستراتيجية الأمنية الغربية. حيث يمكن اعتباره «تفرعا» من ناتو، وذراعا له في المحيط الهادي. وآخرون يرون أن هذه الاتفاقية الأمنية الغربية الجديدة قد تؤثر سلبا على ناتو. ونسلط هنا بعض الضوء على وضع ناتو، تمهيدا للحديث عن «أوكوس»، وعلاقته بالتحالف الأمني الغربي الأشمل.


****

كان يفترض أن يكون اجتماع 2019 بمثابة مناسبة للاحتفال، ولاستعراض القوة، ولتهدئة الخلافات الناشئة بين بعض كبار أعضائه، وفى مقدمتها: الخلافات بين تركيا وأمريكا، وبين أمريكا وأوروبا، وبين فرنسا وألمانيا. كما كانت هناك أمور استجدت، وعكرت جو «ناتو» أكثر، وخاصة ما صرح به، حينئذ، الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» لمجلة «الإيكونيميست»، قائلا: «أعتقد أن ما نمر به حاليا هو موت دماغي للناتو، ومن الناحيتين الإستراتيجية والسياسية». ثم جاء اتفاق «أوكوس» ليغضب فرنسا أكثر، ويوتر العلاقات الفرنسية مع لندن وواشنطن، لدرجة استدعاء سفيري فرنسا في بريطانيا وأمريكا، احتجاجا على إلغاء أستراليا صفقة شراء غواصات تعمل بالطاقة العادية من فرنسا، واستبدالها بصفقة غواصات تعمل بالدفع النووي، من أمريكا.

****

كانت روسيا، وما زالت، هي الهاجس الأمني – السياسي الأكبر لمعظم أعضاء ناتو. وبعد زوال الاتحاد السوفييتي، طلبت روسيا الانضمام لحلف «ناتو» كعضو، فرفض طلبها، لكونها «دولة منافسة». ثم طالبت لاحقا بعدم توسع حلف «ناتو» شرقا تجاه حدودها الغربية، فلم يستجب لهذا الطلب أيضا. وما ذكر عن روسيا، يقال أيضا، عن بقية خصوم أمريكا والغرب، وفي مقدمتهم الصين التي تكاد أن تصبح دولة عظمى، ذات حضارة مختلفة، منافسة جدا للغرب، وفى كل المجالات، بما فيها المجالان الاقتصادي والتقني. بل إن الصين قد أصبحت بالفعل هي المنافس (العدو) الإستراتيجي الأول لأمريكا، والغرب. إضافة للتحديات والأخطار الأخرى المعروفة. أكد أعضاء الناتو، آنئذ ومؤخرا، حرصهم على بقاء ودعم حلفهم... لأنه يحمي – كما قال أمينه العام في اجتماع 2019 – قرابة مليار شخص. واعترف الأعضاء بوجود خلافات بينية، لا بد من حلها قريبا.

أنشئ حلف شمال الأطلسي (NATO) يوم 4 /‏ 4 /‏ 1949، للدفاع عن الغرب المتنفذ وتوابعه، ضد ما يهددهم من أخطار، وفى مقدمتها الخطر الشيوعي الذي كان يمثله الاتحاد السوفييتي السابق. وقام أثناء صراع الدولتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي). كان تأسيسه سببا، ونتيجة، للحرب الباردة التي اندلعت بين هذين الطرفين، خلال الفترة 1945- 1991. وكرد فعل على قيام «ناتو»، أنشأ الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه حلف وارسو، يوم 14 /‏ 5 /‏ 1955، فأصبح هناك معسكران متنافران متضادان (القطبية الثنائية)، يسيطران على العالم، المعسكر الغربي (ناتو) بقيادة الولايات المتحدة، والمعسكر الشرقي (حلف وارسو) بزعامة الاتحاد السوفييتي.

****

وكان هدف حلف ناتو، وما زال، هو: الحفاظ على حرية وأمن أعضائه، كما جاء في الموقع الإليكتروني الخاص بالحلف، ومقره بروكسل. فالحلف يؤكد: «التزامه بالقيم الديمقراطية، وتقاسم الموارد، لتعزيز الدفاع والأمن للدول الأعضاء، من خلال منع وإيقاف الصراعات، مع التأكيد على أن استخدامه للعمل العسكري لا لبس فيه، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية». ذلك بعض مما جاء في النظام الأساسي لهذا الحلف. وأعضاؤه الأصليون 16 دولة. وبعد انهيار وزوال الاتحاد السوفييتي عام 1991، التحقت به 13 دولة، كانت أعضاء في حلف وارسو.

وتوقع المراقبون أن يصفى حلف ناتو، وينتهي، بسبب سقوط العدو الأكبر له، والسبب المباشر لتأسيسه. ولكن حلف ناتو استمر، بل وتصاعدت قوته، وتمدد شرقا، ليضم في عضويته دولا كانت بالأمس في صف العدو اللدود. وأكثر من يستغرب، ويعبر عن القلق بسبب استمرار الحلف، هو روسيا، وريث الاتحاد السوفييتي. فلقد توسع حلف ناتو شرقا... حتى أصبح طول الحدود المتاخمة بين دوله وروسيا 1600 كيلو متر، بعد أن كانت حوالى 700 كيلومتر. لقد استمر ناتو على مدار الاثنين والسبعين عاما الماضية، وقوي في العقود الثلاثة الأخيرة، لأسباب، أهمها:

1- حرص الولايات المتحدة على بقائه ودعمه، ورغبتها في استخدامه كذراع عالمية لمد الهيمنة، وبسط النفوذ، ودعم كونها الدولة العظمى الأولى، وقيادتها لأهم قوى العالم.

2 - عداء الغرب العقائدي والحضاري التقليدي التاريخي لروسيا، وخشيته الدائمة من اكتساح روسي لأوروبا.

3 - عداء الغرب العقائدي والحضاري التاريخي الساخن للصين، وغيرها.

4 - محاربة ما يسمى بـ «التطرف الإسلامي» الذي اعتبر، في البدء، العدو البديل للاتحاد السوفييتي، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، بين الدولتين العظميين. ويندرج ضمن هذا البند ما يسميه الغرب المتنفذ بـ «مكافحة الإرهاب»، والذي كثيرا ما يعنى: الحرب، عبر فزاعة الإرهاب المفتعلة، كمبرر للاكتساح والغزو، من أجل الهيمنة، واستغلال البلاد الأضعف.