تعود بعض الذين يلقون الخطب والكلمات في المناسبات الاجتماعية والإدارية ونحوها، أن يذيلوا خطبهم وكلماتهم بعبارة تقول: «وفي نهاية كلمتي لا يسعني إلا أن أشكر لكم حضوركم ومساهماتكم.. إلخ».
وقد فحصت عبارة «لا يسعني إلا» أن أشكر لكم كذا وكذا، فحصاً دورياً فوجدت أنها عبارة غير لائقة وهي لا تعدو أن تكون في أحسن الأحوال من حشو الكلام!، أما لو تم التدقيق في معناها الحقيقي فإنها قد تحمل من الذم أكثر مما تحمل من المدح، لأن قائلها يُبين لمن يستمع إليه أنه لا يسعه إلا تقديم الشكر لمن حضر وساهم وشارك ولو كان بوسعه أن يفعل غير ذلك لفعل!، فما هو الشيء الذي لم يسعه فعله فآثر تقديم الشكر الذي وسعه فعله؟
ومن العبارات التي توقف عندها أستاذ الأجيال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، وكان ينتقد بحدة من يستخدمها من خلال إطلالاته التلفزيونية التي لا تُنسى، عبارة: إن دل على شيء فإنما يدل.. إلخ، فقد كان فضيلته يرى أن العبارة لا تؤكد دلالة ما كان يريد المتحدث تأكيده، بل تقلل من التأكيد نفسه بما يؤدي إلى إضعافه، إن كان يدل أو إن دل فإنما يدل، «وإن كان» هنا لإضعاف الاحتمال وربما نفيه تماماً كما في قوله عزل وجل: «قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين». وكان الشيخ الطنطاوي يرى أن من سلامة تلك العبارة أن يقول المتحدث مباشرة: إن هذا العمل يدل على كذا وكذا!
وكان أحد المسؤولين الإداريين ينتقد العاملين معه عندما يتلقى منهم مذكرات ويرى أن عبارة التفضل بالاطلاع التي تأتي في نهاية الخطاب أو المذكرة حشو لا معنى له ويقول: تقولون نأمل الاطلاع وقد اطلعت على الخطاب قبل الوصول إلى السطر الذي فيه عبارة آمل الاطلاع فهل لعبارتك معنى أم أنها مجرد حشو؟ والمفروض الاكتفاء بالإيجاز في العرض وحذف العبارات التي لا معنى لها ومنها عبارة آمل الاطلاع لأن الاطلاع قد حصل آنفاً ولم يبق إلا التوجيه أو الرأي الذي يمكن طلبه من المسؤول في نهاية الخطاب على ما تقدم من عرض.
ولما قلَّبت تلك الملاحظة وجدتها في محلها فالتزمت بها بقدر المستطاع.. وكم في الخطاب العربي من حشو ومبالغات؟!
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم
88548 تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة
أخبار ذات صلة