يعلل البعض ارتفاع الأسعار إلى انتشار الذنوب والآثام بين الناس فأصبنا بالقحط وقلة الأمطار وارتفاع الأسعار كعقوبة إلهية وجرس إنذار وتذكير وأن على الناس العودة والتوبة إلى الله حتى يرفع الله عنا غمة الغلاء والمعاناة، وقد تكررت هذه المقولة على ألسنة الدعاة والمتحدثين في وسائل الإعلام، أجزموا وقرروا من عند أنفسهم بأن الغلاء عقوبة إلهية وكأنهم عرفوا ما في نية الخالق سبحانه فاطلعوا على غيبه وخرجوا علينا بهذه النتيجة، وعمومًا.. فما يصيب الناس من مصائب ومحن قد تكون ابتلاءً من الله واختبارًا للعبد وقوة صبره ومدى تحمله وهل يكفر أم يكون من الشاكرين فقد تحمل المصيبة في طياتها خيرًا كثيرًا وحسب تفسيرنا البشري أنها مصيبة ولكن في علم الله وسره المكنون قد تكون خيرًا وصلاحًا فعسى أن نكره شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا.
فظاهرة الغلاء ظاهرة عالمية تخضع لاقتصاديات السوق وقانون العرض والطلب واحتكار السلعة وجشع التجار فليس من المعقول أن نرجع كل أزمة إلى أنها غضب وسخط من الله على عباده، فسوق الأسهم الذي أكل الأخضر واليابس وذهب بأموال الأيتام والأرامل والقصّر والمساكين والفقراء هل نجزم بأنه غضب من الله وعقوبة منه؟
في أيام الخليفة العادل عمر وفي خير القرون وأفضلها أصابهم قحط حتى تحول كل شيء إلى رماد وسمي عام الرمادة حتى أكل الناس الميتة ولم نسمع أن أحدًا من أولئك الصالحين حقًا قال إن هذا بسبب الذنوب والآثام وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابته المحن والكوارث ولحقت بالمسلمين هزيمة عظيمة في غزوة أحد ولم يقل رسول الله للمخلصين هذا عقاب إلهي.
إن القول بالغلاء وعدم نزول الغيث ونفوق الإبل غضب من الله إنما هو ادعاء بعلم الغيب وانحراف بالإيمان، فالذي يقرر العقاب والثواب هو الله جل وعلا فلا أحد يعلم حكمة الله من النازلة إلا هو وحده عالم الغيب والشهادة.
لقد غضب رسول الله عندما قال بعض الصحابة عن نعيمان ما أكثر ما يؤتى به شاربًا للخمر فقال عنه الرسول إنه والله ليحبه الله ورسوله فلا يعلم غيبه أحد. إن لله جنودًا يرسلهم وقت ما شاء وكيف ما شاء سواء للعذاب أو الرحمة ولا يحق لأحد أن يقرر بأن غلاء الأسعار أو الجدب إنما هو عذاب من الله هكذا من تلقاء نفسه، “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين”، وغيرها من الآيات التي تدل على رحمته ولطفه بعباده، أقحمنا أنفسنا في الحلال والحرام، وتدخلنا في نيات الناس وحكمنا على هذا وذاك بالكفر والزندقة وخراب العقيدة وأن ما نقوله الحق وما يقوله غيرنا الباطل.
والآن أصبحنا نتحدث باسم الله ونيابة عنه فنحيل كل كارثة بأنها عذاب من الله، نسي هؤلاء أن الصالحين والعابدين بل حتى الأنبياء والمرسلين تصيبهم مصائب فتكون لهم امتحانًا وزيادة في الأجر وقد تصيب المسرفين والكفار خيرات ونعم وهي إمهال واستدراج لهم فهو أعلم بخفايا خلقه ونواياهم والله يعفو عن كثير تفضلًا منه على عباده فله مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق ويقدر إنه بكل شيء عليم لطيف بعباده يرزق من يشاء وكيفما شاء.
وليس طلب الغيث أن يرسل الله علينا السماء مدرارًا فقد استسقى موسى لقومه فأخبره الله أن اضرب بعصاك الحجر فكانت السقيا، ونحن عندما نستسقي السماء ليس شرطًا أن ننتظر هطول الأمطار علم الله بحالنا فسخر لنا ماء البحر نحليه ونجلب الماء العذب من دول أخرى وأغدق علينا ثروات وثمارًا، يقول الحق “ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير”.
فاكس 6975040
nyamanie@hotmail.com
الغلاء ليس عقوبة إلهية
7 أبريل 2008 - 19:52
|
آخر تحديث 7 أبريل 2008 - 19:52
تابع قناة عكاظ على الواتساب