الحال في بلدة "الشجعة" لا تختلف كثيراً عن المقبورة وبقية قرى جبال الحشر الجازانية.. ولكن واقع البلدة يعبر عنه مواطن بالقول ان المريض يظل يقاوم علته حتى الموت.. تماماً مثلما تفشل اعمدة الكهرباء في الشجعة في مقاومة تيارات الهواء والعواصف والامطار فتسقط دون ان يرفعها احد.. يقول الشيخ قاسم احد اعيان البلدة.. في الشجعة افاع وثعابين متوحشة وسامة لا تترك ضحيتها على قيد الحياة لأكثر من نصف ساعة.. وان كتب للملدوغ الحياة فأي مستشفى يداويه؟! العبور الى بلدة الشجعة في جبال الحشر يمر بعدة منعطفات خطيرة وسط غابة من الصخور العملاقة التي تمارس فضولها وتنثر فتاتها على شارع الاسفلت وتزداد وطأة العابرين تحت الرياح والمطر والظلام الحالك.. الاسفلت يتلوى مثل الثعبان، وكم من دماء غزيرة سالت على الطريق القاسي.. وسط مطالبات متعددة بإصحاح الحال وإنقاذ ما يمكن انقاذه حسبما يقول الشيخ قاسم.
لا تقف حدود المطالبات بإصلاح الطريق بل تمتد الى جوانب كثيرة في البيئة والصحة العامة والهاتف وغيرها.. ولكن يظل الطريق هو الحلم الذي يدغدغ عواطف سكان البلدة.. ويتساءل الشيخ قاسم عن دور مفتشي الطرق في تسليط الضوء على سوء الحال وانعدام الصيانة.
يصف محمد صهيفي حال الطريق المؤدي الى الشجعة ويقول: عندما تشتد وطأة الصخور تسد جوانب الطريق ويقف العابرون حائرين، ويضطر اغلبهم للعودة الى حيث أتوا.. وآخرون يختارون البقاء في اماكنهم لحين اصلاح الحال، ولو توفرت مصدات على سفوح الجبال لما حدث ما يحدث دوماً.. وعندما تتضاعف المعاناة مع الصخور يختار الأهالي اصعب الحلول ويدفعون من جيوبهم قيمة استئجار الآليات واعباء ازاحة الصخور من بطن الطريق..
يواصل صهيفي: الامل ما زال معقوداً على وزارة النقل وادارة الطرق في جازان للتدخل ومعالجة الامر فما زال هناك كثير من الوقت.
الهاتف أمل لذيذ
ولا يخفي مفرح جابر الصهيفي حزنه لتلك العزلة التي تعيشها البلدة من العالم المحيط بها، فالهاتف الثابت ما زال يشكل حلماً لذيذاً وسط الأهالي.. اما الهاتف الجوال فهو مجرد امل بعيد المنال ومع ذلك فإن السكان يأملون خيراً في تحرك الشركات المختصة في ربط البلدة ببقية المدن داخل المملكة.. وخارجها.
تردي الخدمات وتواضعها فتح ملف عدم وجود بلدية او مجمع في قرى الحشر بأكملها.. ويتولى مكتب في محافظة فيفا رعاية الشؤون البلدية في كل القطاع الجبلي.. ويعلق احد المواطنين على ذلك بقوله: اذا كان هذا المكتب اليتيم عاجزاً عن تنظيف شوارع فيفا فكيف له ان يفعل ذلك في قرى جبلية متناثرة؟ّ
الحيوانات الضالة
وطبقاً للافادات فإن قرية الشجعة تعاني مثل وصيفاتها من نقص حاد وواضح في الخدمات البلدية.. لا نظافة ولا تنسيق ولا شوارع مسفلتة.
يقول مفرح الصهيفي: ان جبال النفايات تزداد طولاً يوماً بعد يوم.. كما انها تتحول الى وجبات للحيوانات الضالة ومرتعاً خصيباً للحشرات الزاحفة والطائرة الأمر الذي ينذر بخطر بيئي وشيك.. ويعتبر جابر الصهيفي مشهد النفايات المتراكمة وافتقار البلدة للحاويات دليلاً ساطعاً على مستوى كل الخدمات.
والحال هكذا فإن المزارع وحقول الجبال تتحالف بمستنقعاتها الخضراء على النفايات لتصنع بيئة مناسبة لتوالد الحشرات وتعكير صفو البلدة وحرمان صغارها وكبارها من النوم الا على ناموسيات.. ويطالب جابر من جهات الاختصاص ابتعاث فرق متخصصة لرش الحشرات وإبادتها حفاظاً على سلامة السكان..
والحديث عن وعورة الطريق ومخاطره مرتبط بطبيعة الحال بمطالبات الأهالي بإنشاء مركز اسعافي يتولى علاج العابرين من مصابي الحوادث ويخفف الضغط على مراكز الصحة المجاورة لا سيما ان اغلب المرضى الطارئين يعانون الأمرّين بحثاً عن دواء سريع أو اسعاف عاجل.
الهجرة القسرية
وبعيداً عن الهموم التقليدية فإن الشجعة تطالب كذلك البنوك والمصارف بإنشاء اجهزة صرافة آلية تغنيها عن السفر الى الدائر والعيدابي.. اذ يضطر كبار السن والعجزة من مستحقي الضمان الاجتماعي للسفر الى بلدات وقرى بعيدة لصرف اجورهم الشهرية.
ويعتبر سلمان الصهيفي تردي الاحوال البلدية وفقر الخدمات سبباً مضاعفاً لتفكير عدد من سكان البلدة الى مغادرتها وترك حقولهم ومزارعهم..
ويشير الى ان المستنقعات تبقى لأسابيع وأشهر دون ان تمسها يد لدرجة ان لون مائها تحول الى اخضر غامق واذا لم تتحرك جهة الاختصاص لمعالجة الوضع فإنه من الصعب محاصرة آثارها الصحية السالبة على كل سكان البلدة..
تماماً كما هي الحال في "المقبورة" فإن الشجعة ترتوي من احواض المطر وخزاناته.. اذ يستحيل في منطقة جبلية صخرية حفر بئر تروي الظمأ.. واستغلالاً لهذا الوضع وصل الجشع بأصحاب الوايتات والناقلات الى فرض مبلغ 600 ريال للرد الواحد. ويحذر عبده صهيفي من الاعتماد على مياه الامطار مشيراً الى آثارها السالبة على الصحة.. وفي سبيل ذلك قدم اهالي البلدة عشرات المطالب الى الجهات المعنية بإنشاء شبكة عصرية للمياه بلا طائل.
العلاج في بؤرة المرض
ويربط جابر تردي الحال الصحي بالمياه الملوثة ومع ذلك فإن الخدمات الصحية تقف عاجزة عن فعل شيء لأن سكان البلدة يهاجرون الى قرى وبلدات قريبة بحثاً عن العلاج لأن المركز الوحيد بالقرية الذي يشرف عليه طبيبان فقير بمعنى الكلمة.. لا لقاحات أو أمصال او معدات او قدرة على مواجهة اعداد المرضى.. ويحث جابر جهات الاختصاص على معالجة بؤرة المرض في البلدة كخطوة اولى للتخفيف عن المركز الصحي اليتيم.
وينتقد مفرح مجدداً عدم وجود مركز للهلال الاحمر في منطقة كثيرة الحوادث.. ويشير الى ان اغلب المصابين على الطريق ينزفون احياناً حتى الموت وفي حالات الجروح الخطيرة يتدخل العابرون بطريقة عشوائية مما يضاعف المخاطر والمضاعفات.
ويعود عبدالله الصهيفي الى قضية الطريق ويصفه بالخطر الماثل بسبب المنعطفات والمنزلقات داعياً الى نصب حواجز اسمنتية خرسانية تقي العابرين من الصخور المفاجئة.
اعمدة هشة
وتماماً مثل الصخور التي تفشل في مقاومة عوامل التعرية وشدة العواصف الممطرة فإن أعمدة التيار الكهربائي تنافس الصخور في الضعف والهشاشة اذ تسقط معظمها ويسفر عن ذلك ظلام حالك في القرية وقد يستمر الظلام عدة ايام..
وعلى ذات المنوال فإن سيارات المعلمين تسقط هي الأخرى في الاودية بسبب انحراف الطريق وقبل فترة كاد معلم ان يدفع حياته عندما سقطت مركبته الجديدة في بطن الوادي.
طريق متعرج وزواحف قاتلة والسقيا من أحواض المطر
«الشجعة» وصيفة «المقبورة» وابنة «الحشر».. والمعاناة واحدة
25 فبراير 2008 - 21:30
|
آخر تحديث 25 فبراير 2008 - 21:30
«الشجعة» وصيفة «المقبورة» وابنة «الحشر».. والمعاناة واحدة
تابع قناة عكاظ على الواتساب
جولة:عبدالعزيز معافا-ضمد