-A +A
بينة الملحم
@Baina_Almulhim

كم هو جميلٌ هذا اليوم الذي شهدنا فيه ترسانة الإعلام السعودي بكافة وسائله وقنواته الرسمية وشبه الرسمية ما بين من استلّوا أقلامهم وأصواتهم ونزلوا ميدان الحرب الناعمة وخاضوها بكل قوة واقتدار وتواؤمٍ مع قوة السياسة السعودية وأجهزتها كافة، ولا ريب والرياض قبيل أيامٍ معدودات قد حوّلت أنظار العالم نحوها إبان قمة الرياض التي على ما يبدو أصابت فيما أصابت من حاقد وكائد أو عدو ومتربص بمقتل!


ومن منطلق أنه في معارك الوطن لا اصطفاف فيها ولا حياد؛ وأن أي موضوع يمسّ الوطن فالاصطفاف ضده بحجة الموضوعية أو الحياد لا تعني إلا معنى واحدا!

المشكلة في أولئك الذين وجدوا أنفسهم في مواقف أكثر تعرياً لواقع انتمائهم من خلال هجومهم ومحاولات تخوين إعلام وطنهم وعمالته ولا أدري كيف يمكن لإعلام وطن يذود عن وطنه أن يكون عميلاً لمن؟! أو صمت بعض رموزهم وهم الذين لم تكن هناك شاردة أو واردة إلا وقد علقوا عليها أعمق من مجرد توظيف سياسي أو مالي مقابل القناعة بمبادئ وموجبات حب الوطن والانتماء له.

لم يكن الإخوانيّ أو عدو وطنه في الخليج ينتمي بصراحة إلى هذا التنظيم، كانوا يتذرعون بالانتماء للسرورية تارة وللتنوير الإسلامي تارة أخرى، لكن الثورات العربية بالأمس محضت التيارات وفرزتهم، واليوم قطر تُعيد تعريتهم بوضوح فاقع!

ولو عدنا للوراء إبان أولى شرارات ما سمّي بالربيع العربي وضمن ما كشفه مخططهم وجدنا كذلك التواطؤ بين التيارات السياسية من شيوعيين وإخوان وغيرهم شملوا بأنشطتهم بعض الحقوقيين والحقوقيات والناشطين والناشطات، وأصبحت الأمور مختلطة، ترى الشيوعي يدافع عن الإخواني والعكس، وهذا ليس تسامحاً بل هو تواطؤ من قبل التيارات السياسية للتآمر ضد الحكومات في البلدان المستقرة. ورأينا كيف كان يحاول الإخوان امتطاء بعض القصور أو الأخطاء المؤسساتية أو القضايا الطائفية في الخليج من أجل التشنيع على الحكومات.

أزمة الوطنية أمام الأممية تخلّقت من فرضية الصراع الذي سعى له أرباب جماعات الإسلام السياسي بقيادة الدين الإسلامي إليه وهو عدم الاعتراف بالحدود الجغرافية كموطن للدين مما يتوجّب تجاوزها، ولكن الذي لا يدركه هؤلاء أن الوطن لم يكن يوماً عائقاً، خصوصاً للدين الإسلامي الذي ينتشر في كل الأرض ليس بسبب أمميته السياسية، كما يريدون، بل بسبب قيمه الأخلاقية التي تترفّع أن تنزل إلى الأرض لتنطلق من مساحة جغرافية.

الدين والوطن تشكيل واحد لا يمكن أن ينفصلا في الإنسان الطبيعي، فلا إنسان يستطيع العيش من دون وطن، ولا إنسان يستطيع العيش من دون عقيدة مهما كان نوعها، الأزمة في كيفية فهم هذا التقارب والقدرة على تفسيره لمصلحة الفرد وليس لمصلحة إسلام سياسي أو سياسة أيدولوجية..!

أزمة الهوية وأهمية وجودها لأجل الحفاظ عليها وحتى لا تذوب أو يستعسر فهم كيف لهذه «الهوية» أن تتشكل من دوائر انتماءات أكبر...؟! إن تحديد نقطة انطلاق فكرية واحدة تتجمع حولها الآراء مهما اختلفت والاتجاهات مهما تباينت، مما يشكل وحدة فكرية بها تستقيم حياة وطن واحد له حدوده التي يتوقف عندها الانتماء لا أن يكون الانتماء عابراً للقارات والحدود.

فقبل الحديث والنقاش عن هوية خليجية واحدة علينا تشخيص أزمة الهوية الوطنية وإن كانت تعاني من الازدواجية والانقسامية التي تتعرض لها الوطنية من أعدائها الأمميين من دون إيجاد قدر من الاتفاق على إجابات محددة عن أسئلة موحدة مصيرية تدور حول: ماذا نريد؟ وماذا لا نريد أن نكون عليه؟ وكيف نحققه أو نتغلب عليه؟

معركتنا الإعلامية التي نخوضها جميعاً تفتح باب أزمة الهوية الوطنية من جديد خاصة ومن أولئك الذين يعملون على شيطنة مؤسسات إعلامنا الحكومية وشبه الرسمية تعيد لنا نفس السيناريو المتبع من قبل شيطنة المؤسسات الأمنية ورجال الأمن ودخول تنظيمات إرهابية كالقاعدة بالأمس وداعش اليوم على خط تقاطع المصالح بتبرير عمليات استهدافهم والواقع فيما بعد شهد كماً من الأحداث الإرهابية خاصة في ظل التحالفات مع تنظيمات إرهابية أو مسلحة عدوة.

*مستشار إعلامي في شؤون الأمن الفكري وقضايا الأمن الوطني