انتقل الشيخ عيسى العلي بعد تتلمذه على يد ابن باز -رحمهما الله- من التشدد الذي وسم بداياته الفقهية الى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ومحاربة الجهل والدعوة الى العلم على هدى من الكتاب والسنة، فكان أول من انتقل بالناس من الخطب «المسجوعة» القديمة الى ملامسة همومهم وقضاياهم العامرة..
ولد الشيخ عيسى عام 1354هـ في حي مغيضة بمدينة حائل، وسافر مع والده الشيخ سعود الى الرياض واكمل دراسته هناك، حيث درس على يد الشيخ عبدالعزيز بن باز في المسجد ولازمه حتى عاد الى حائل التي مارس فيها الدعوة وهو طالب الى ان توفاه الله عن عمر يناهز الـ 59 عاماً، تقلد خلالها العديد من المناصب القيادية في كثير من القطاعات الحكومية وساهم في العمل الخيري عن طريق الهيئات والجمعيات الخيرية وظل طوال حياته محبوباً من اهالي حائل الذين بادلوه وفاءً بوفاء حتى في أحلك الظروف عندما دهمه المرض.
ينتمي فضيلة الشيخ عيسى بن سعود بن سليمان بن عيسى بن صالح بن عبد المحسن آل علي إلى أسرة آل علي من آل جعفر من عبده من شمر. وبعد أن أتم تعليمه في المرحلة الابتدائية في حائل انتقل إلى مدينة الرياض حيث تلقى دراسته النظامية في المعاهد العلمية والكليات التي تحولت فيما بعد إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. كان مع هذا يدرس على أيدي كبار المشايخ خاصة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الذي درسه الحديث والتفسير والتوحيد والفرائض.
العودة لمسقط الرأس
بعدما تم افتتاح معهد حائل العلمي عام 1382هـ كلفه سماحة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ الرئيس العام للكليات والمعاهد العلمية حين ذاك بالسفر إلى حائل للتدريس في المعهد، قام بالتدريس والإسهام في تأسيسه وهو ما زال يواصل دراسته في كلية الشريعة، وبعد سنتين تخرج واستمر في المعهد الذي أسندت إليه إدارته فيما بعد وظل فيه لأكثر من عقد من الزمان. بعد ذلك انتقل للعمل مستشاراً شرعياً بإمارة منطقة حائل، ثم أسندت إليه إدارة فرع وزارة العدل وظل مديراً عاماً لها إلى أن وافاه الأجل وهو صائم في شهر رمضان عام 1414هـ.
أعماله الخيرية
لم يشغله العمل الرسمي عن المشاركة في الأعمال الخيرية ومواصلة عمله الدعوي، حيث كان يقوم بالخطابة في جامع برزان، ثم إماماً وخطيباً فيه بعد وفاة الشيخ عبد الله العمر اليعقوب وكان أيضاً يؤم الناس ويخطب فيهم في العيدين والاستسقاء، كما كان يقوم بالفتوى بتكليف من الشيخ عبد العزيز بن باز. وفي العمل الخيري عمل نائباً لرئيس الجمعية الخيرية بمنطقة حائل ورئيساً لجماعة تحفيظ القرآن الكريم.
«أسلوبه المحبب»
الشيخ عيسى العلي كان يمارس الدعوة عن طريق الكلمة والمحاضرة والخطبة، وكان يؤكد في كلماته وخطبه على التفقه في الدين ومحاربة الجهل والدعوة إلى العلم والاستنارة على هدى من الكتاب و السنة، ويدعو الآباء ورجال التعليم إلى العناية بالنشء وتربيتهم والأخذ بأيديهم حتى ينشأوا النشأة الصالحة، وكان موضوع الأحوال الشخصية يستحوذ على اهتمامه، يحث على الزواج، وتيسير المهور، ويعالج مشاكل الطلاق. كما كان يحذّر من خلال خطبه أفراد المجتمع من الوقوع في المعاصي صغيرها وكبيرها حتى يسلموا من أضرارها. كما كان يؤكد في كل مناسبة على تقويم السلوك وتوجيه الناس إلى أداء الواجبات.
خصاله الحميدة
يقول عنه الدكتور رشيد العمرو: الشيخ العلي إلى جانب تبحره في العلوم الشرعية كان خطيباً بليغاً مؤثراً صاحب منهج ورؤية، بنى مكانته العالية في هذا المجال على علم غزير في اللغة العربية وآدابها، وثقافة واسعة في علوم العصر، وله مواهب متعددة، قوي العارضة، فطنا، له مهابة العلماء الأجلاء، شارك وأسهم في الكثير من الإنجازات التي خدمت منطقة حائل في ميادين مختلفة تربوياً واجتماعياً وفي الأعمال الخيرية وله أياد بيضاء على المنطقة وأبنائها.
وقال عنه الدكتور محمد بن عثمان النفيس: عرفته عن قرب، يتسم بتواضع جم، وسمت العالم، وطيب السيرة، وحسن العبارة. كان صديقاً لوالدي رحمهما الله وكان محباً للخير ساعياً إليه، علمه غزير، وحكمته جلية، أليفاً مألوفاً، وكريماً، وخطيباً بارعاً.
ويقول ابن اخيه الدكتور سعود بن نايف العلي: الحديث عن عمي المرحوم عيسى العلي لا يوفيه حقه. كان له دور مؤثر في منطقة حائل من خلال عمله في المعهد العلمي وأدائه لخطب الجمعة والعيدين ومن خلال الفتاوى، إذ كان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يحيل إليه كثيرا من المستفتين وكان يرافقه في الحج فاستفاد منه كثيراً.
ويقول عنه الدكتور سعود بن إبراهيم الثويني: عرفته عالماً جليلاً وخطيباً بارعاً وجاراً وفياً ومصلحاً اجتماعياً ومفتياً فقيهاً يغترف من بحر زاخر بالعلم والفقه والثقافة، متواضعاً مع الناس حازماً في عمله، نال ثقة ولاة الأمر ومحبة الناس.
مكانته في حائل
ويقول عنه ابن أخيه على بن نايف العلي عضو مجلس منطقة حائل كنت قريباً من عمي رحمه الله، أكثر ما يجعلنا نفتخر بسيرة حياته مكانته لدى ولاة الأمر وقدره ومكانته لدى أهالي حائل الذين كانوا يأتون إليه في منزله يحل مشاكلهم ويستنيرون بآرائه ويسألون عن صحته لأنه لم يكن يبحث عن مجد شخصي أو ارث مالي وانما يحرص على خدمة المجتمع قدر استطاعته ويكفي للتدليل على ذلك أن حائل عاشت موجة حزن بعد وفاته.
مرضه ووفاته
بدأ المرض يداهم الشيخ عيسى قبل وفاته بثلاث سنوات بنزيف حاد في الدماغ ظل يصارعه طوال هذه الفترة، هذه السنوات برهنت على مكانته، فما أن علم الأمير مقرن بن عبد العزيز -وكان آنذاك أميراً لمنطقة حائل- حتى حضر للمستشفى ليطمئن على صحته، تحدث مع الطبيب المشرف على علاجه باللغة الإنجليزية وكان الطبيب فيما يبدو قد شرح لسموه بأن حالته الصحية صعبة جداً وسفره إلى أي دولة أو منطقة لا يغيّر في الأمر شيئاً ورغم ذلك تم نقله بواسطة الإخلاء الطبي للرياض وتوفي بعد وصوله بيوم واحد.
ويضيف علي العلي: ذهبت لأطمئن على صحة عمي في يوم وفاته دخلت غرفته بعد أذان المغرب وجدته نائماً والتمرة في فمه حضر والدي وتأكدنا بعد استدعاء الطبيب بأنه توفي بعد أن أتم صيامه وقال لنا أن عمي كان يشتكي قبل الإفطار من صداع في الرأس وكان بصحة جيدة إلى أن مكنه الله من إتمام صيامه.
يواصل علي حديثه عن عمه: توفي وله في قلب كل حائلي مكان لأنه ارتبط بمختلف فئات المجتمع، سيرته عطرة وأعماله جليلة ندعو الله بأن يقدرنا على حفظ تاريخه المضيء ليبقى لنا نبراساً نسير عليه لأنه تاريخ حافل بمخافة الله وطاعة ولاة الأمر والإخلاص للمجتمع.
ويقول عنه شقيقه الشيخ نايف العلي: كان أخي سعود محنكاً نزيهاً يتوكل على الله سبحانه وتعالى في جميع أموره طموحاً وحريصاً على أداء واجباته الوظيفية الرسمية والخيرية على الوجه الأكمل. يساعد الفقراء والمساكين ويقف إلى جانبهم، وهذه كلها خصال كسبها من العلماء والمشايخ الذين تتلمذ على أيديهم وكان لعدم تعليم والدي ان ولَّد في نفسه ونفوسنا جميعاً إصراراً لا حدود له لمواصلة تعليمنا بما يفيد الوطن والمواطن فحفظنا القرآن. حيث كان الوالد يذهب بنا إلى المكتبات ويجبرنا على شراء القرآن الكريم ويحثنا على حفظه في المسجد ويجبرنا على الذهاب للمسجد قبل الأذان بساعة لقراءته. وختمنا القرآن على يد الشيخ صالح الزريقي قبل المدارس النظامية. كان أخي عيسى ذكياً محباً للعلم فاصطحبه والدي معه إلى الرياض ليكمل مسيرته العلمية وليكون قريباً من العلماء.
«وجاهته الاجتماعية»
وواصل الشيخ نايف حديثه عن أخيه المرحوم قائلاً: كان اجتماعياً يسعى لحل كثير من القضايا المعقدة فعندما تولى إمامة المسجد الجامع ببرزان بعد وفاة الشيخ عبد الله اليعقوب رحمه الله كانت خطبه تركز على معالجة كثير من قضايا المجتمع في وقتنا الحاضر. وعندما يأتيه صاحب مظلمة لا تخالف الشرع يسعى إلى إنهائها لدى ولاة الأمر أو رجال العلم أو مشايخ القبائل ولديه الحنكة والموهبة في معالجة كثير من القضايا واقناع الآخرين بقبول الحلول التي يطرحها وكان يقف إلى جانب الضعيف والفقير.