دعيت الزملاء نشرب القهوة في أحد المقاهي.. جاءوا وجلسنا.. مثل كلّ الرجال الأغنياء.. إحم.. إحم.. صرنا نتناقش حول الأسهم.. وفي موضوعات الاقتصاد.. إحم.. إحم.. وصرنا نتناقش حول ارتفاع الاسعار قال احدنا أنتم ما تفهمون بشكل مضبوط.. صحيح ان سعر البترول ارتفع.. بس الدولار منخفض.. هنا المشكلة... ولما قال هنا المشكلة ضرب بيده على الطاولة حتى كادت أكواب القهوة تنتثر.. ما كان له داعي يضرب بيده على الطاولة.. لكن الرابع لم يكن أقل قوّة فضرب بيده على الطاولة وبرجله على الأرض وقال «ليش يا جماعة؟.. قولوا لي».. وعند كلّ ضربة يقفز قلبي قفزتين.. لكن الله الساتر الواقي.. يالله السلامة..
شربوا الجماعة القهوة وأرادوا أن يروحوا.. ويتوكلّوا على الله.. وجاء الحساب.. فتصارعنا مصارعة لا يعلم بها إلا الله.. مسكت أحدهم لمّا أراد الحساب ورميته هناك وأنا أحلف أني أنا اللي يجب أن يحاسب.. ثم مسكني آخر ورماني هناااااااك وهو يحلف أنه هو اللي يجب أن يحاسب.. ثم جاء أحدهم ورماه هنااااااك لأنه لا يمكن أن يحاسب غيره.. وبعد أن قمت من الأرض ولقيت عقالي وشماغي البعيدين ولبستهما وقفت وجئت أمشي واثق الخطوة أمشي واثقا وكأنني لم أتدحرج على الأرض.. ومسكت الجرسون ورميته هنااااااااااك.. وقلت لهم «والله ما يحاسب أحد غيري.. علي الطلاق.. أنا اللي داعيكم.. الحساب واصل».. وقلت للجرسون.. وكان مجندلا ومتشنطحا على الأرض.. «أليس كذلك؟».. ولا أدري ليش قلتها بالفصحى.. قال «بلى يا بعد روهي (يقصد : روحي)».. سلّمنا على بعضنا كما التقينا وراحوا.. راحوا وأنا جلست لوحدي أكمل قهوتي لوحدي.. أدخلت يدي في جيبي وأخرجت محفظتي.. عشان أحاسب.. ولمّا فتحت محفظتي جلست محفظتي تضحك.. تكركر.. ماتت من الضحك.. قالت «يا حليلك يا بو هايس.. يا إنت خبـيل.. يا كثر بربرتك إنت وأصدقاؤك حول الاقتصاد.. وش عرّفكم أنتم و وجيهكم بالاقتصاد؟ قل لي.. يا حليلكم.. أنتم تقولون قال التلفزيون الفلاني.. قالت الجريدة الفلانيّة.. تصدقون التلفزيونات والجرايد؟.. إنت مهبول يابوهايس؟.. إذا تبي تعرف الواقع.. افتحني أنا محفظتك.. ودي أسألك يا بو هايس.. تشوف فيني ألف ريال؟».. قلت «لا والله».. قالت «تشوف خمسمئة ريال؟».. قلت «من وين وين».. قالت «تشوف مئة ريال؟».. قلت «باسم الله على قلبي...».. قالت «تشوف ريال؟».. قلت «يا ليت».. قالت «أجل ليش تناقش بالاقتصاد إنت و وجهك؟.. لا.. بعد وتحلف إنه ما يحاسب إلا إنت.. لعنبو بليسك ما تفهم...».. المهم نشبت في حلقي محفظتي.. يا هي شرّانيّة.. أدخلتها في جيبي عشان تسكت.. وقلت لواحد كان جالس حولي «ممكن تعطيني محفظتك يالغالي أسولف معها؟».. لكنه رفض يقول إنها راحت تأخذ اجازة..
طبعا تأسفت من الجرسون وقلت له إني راجع بعد نصف ساعة.. أجيب الفلوس له وأرجع.. كانت فركة حلوة.. استمرت يومين..
رحت لمكينة الفلوس.. وقفت أنتظر مع الناس.. ولمّا جاء دوري.. طلع أنه ما فيه رصيد.. طبعا بعض المكاين تكذّب.. فركبت سيارتي ورحت لمكينة ثانية.. نفس الشيء.. سبحان الله صرنا نغلط بالحروف.. طبعا أكثر المكاين.. مكاين الفلوس تكذّب.. أعرفها.. فركبت سيارتي ورحت لمكينة ثالثة.. وقفت في الطابور.. ولمّا جاء دوري أدخلت بطاقتي.. يا سبحان الله.. بس أنا أدخلت بطاقتي يوم طلّعت لسانها هالطول.. وش طوله.. تقول «وش فيك إنت أبلشتنا ومسوّي زحمة.. إنت ما تفهم؟.. إنت مرّيت على كل خواتي وقلنا لك ما عندنا لك رصيد.. يعني غصب؟.. وش فيك إنت؟.. و وجهك... لا تشوفك عيني إلا بعد اسبوعين.. إذا نزل راتبك.. وبعدين أحب أقول لك.. كل ما جاء راتبك يجي مخصوم منه.. على قولة المثل.. شف وجه العنز واحلب لبن...»... الحقيقة أنا طفشت.. وانقهرت.. وقلت في نفسي.. عسى ما عادت.. لكن أنا أبو هايس أعطتيها قفاي.. وقبل ما أمشي أطلقت عليها قذيفتين.. تستاهل هي و وجهها..
رحت أدور في السيارة.. كنت أفكّر.. لقيت مكينة رابعة قلت أجرّب حظّي.. آخر تجربة.. خاصة إني فاضي ولا عندي شغل.. على سبيل الحصر لا المثال.. نزلت فوجدت رجلا طيبا.. مثل طيبتي.. وقبل أن أدخل بطاقتي في جحرها.. قال لي الرجل «يا بن عمي إذا تقدر تساعدني.. أنا ما أعرف أقرأ.. خذ بطاقتي.. ودّي أشوف هو نزل لي راتبي من الضمان الاجتماعي.. وهاذا الرقم السري...».. بست يده وأخذت بطاقته وأدخلتها.. وأثاري هالمكينة أقشر من اللي قبلها.. قالت لي «أنا متأكدة أن البطاقة ما هي بطاقتك.. لأنه أبلشنا.. واقف عند راسي.. وكل ما شاف رجّال أعطاه بطاقته.. قلت له من البداية ماله شيء.. ما نزل حتى الآن راتبه من الضمان.. وش فيه؟ هو ما يفهم؟.. ترني طفشت منه.. قسم بالله إني أقمز هالحين وأعضّك إنت وإيّاه.. إنتم و وجيهكم.. غثّيتونا وأزعجتونا.. وعملتوا لنا زحمة.. اللي يشوفكم واقفين عندي يظن إنكم عندكم سالفة وعندكم مئة ألف على الأقل لا الحصر.. وإنتم مفلسين.. روحوا ناموا أزين لكم....»...
طرت أنا أركض من الخوف حتى إني نسيت نعولي.. وهو.. المسيكين.. راح طاير مثل البرق بدون شماغ ولا عقال...
ومع ذلك نقول الحمدلله على هالنعمة..
afahead@hotmail.com