الدكتورة غادة عبدالعزيز الحوطي التي رحلت بعد صراع مع المرض لم يمهلها طويلا تغيب عنا لأول مرة ليدخل شهر رمضان ونحن نفتقدها وندعو لها بالرحمة. غادة التي كانت من مواليد القاهرة عام 1961وتوفيت عام 2007 تركت العالم وهي لاتزال حاضرة وبقوة في أذهان من عايشوها وعرفوها عن قرب. يقول زوجها المهندس عبدالله المعلمي عن رحيلها عندما طالـــعت عنوان قصيدة الشاعرة الدكتورة هند باخشـــوين «ومضت غادة».. قرأته قراءتين.. إحداهما «ومضت» بمعنى المضي والرحيل والأخرى «ومضت» بمعنى الوميض.. وأظن أنني لم أخطئ المعــنى في القراءتين.. لقد كانت حياة غادة ومضة!! قصيرة كالومضة.. مضيئة كالومضة.. براقة كالومضة.. خلابة كالومضة.. فاتنة كالومضة.. ولقد كانت حياتي مع غادة اقـصر من الومضة.. ألف وستمائة يوم هي عدد أيام حياتنا الزوجـــية.. لقد كانت أياما حافــلــة بالحب والبهجة.. والإثارة.. والمشـــاعر والإحساس.. والدهـــشــة.. والفـــكـــر.. والصداقة.. والحوار لقد مرت غادة في حياتي كالنسمة في طلاوتها وعذوبتها ونقــائها وصفــائها وعبيرها ولقد هبت غادة في حياتي كالإعصار في حيويتها وإثارتها وجنونها وسحرها وكــــأني بها في هذه الأعـــوام القــلـيـلـــة قــــد ضخت في روحي سنينا من عمرها حتى استنفـــــدت ماتـــبـــقى في حياتها.. عندما كانت تتحدث غادة عن الأمان وعن الخوف كنت أقـــول لها.. لو ألقيت بنفـــسك من النافذة فســتـجـديـنـنـي انتظرك لألقاك بأحضاني وبين يدي فلا تخافي ولا تحزني.
ومع ذلك فعندما داهمها المرض العضال لم استطع أن احجب عنها إرادة الله عز وجل لقد احتضنتها في مرضها كثيرا وأنا اعرف ولا احد معي يعرف.. أن إقامتها في احضاني لن تطول واحتضنتها وأنا أدرك أن الداء قد القى بها وانني لن أتمكن أن أفي بعهدي لها أن أتلقاها وادفع عنها الاذي ثم احتضنتها عندما ارتسمت على شفتيها ابتسامة الراحة بعد أن أسلمت روحها إلى بارئها وأنا اعرف أنني سوف أودعها بعد قليل إلى الأبد الى اللقاء ياغادتي.. إلى اللقاء ياغادة الأنغام.. ياغادة الأحلام.. الى اللقاء ومضت غادة.
الأم الحنون
غالية كيال ابنة المرحومة د.غادة الحوطي أرسلت لها رسالة حب تقول فيها:
ضمن مقالات والدتي الدكتورة غادة الحوطي رحمها الله مقال بعنوان (رسالة حب) كتبت فيها أمي عن مشاعري الطفولية البريئة حينذاك عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري حيث كتبت لها رسالة أشكو لها بعض الأمور العابرة التي كانت تشغل ذهني وتفكيري، ولكنها أعجبت بها واحتفظت بها وأشارت إليها في إحدى مقالاتها وأسمتها (رسالة حب) أما الآن يا أمي فإني أكتب لك رسالة من نوع آخر، رسالتي الأولى كنت أطلب منك أن تعطيني بعض استقلاليتي وأن تعامليني كفتاة ناضجة والآن أكتب لك رسالة حب وتقدير للأم والمرأة العظيمة التي طالما كانت بالنسبة لي مثلا أعلى ولكن في هذه الرسالة أشكو حزني وهمي إلى الله ثم إلى قرائك وكل من يهمه أمرك، لقد رحلت أستاذة الثقافة العربية والإسلامية رحلت مفكرة العصر وملهمة الأحاسيس الدكتورة غادة الحوطي.
يا أمي رحلت وتركت مكانا فارغا في قلبي وقلب أحبائك وأنا على يقين تام بأن مكانك سيظل فارغا في قلوبنا ما حيينا فكل من عرفك يا أمي سواء من جلسة واحدة أو عدة جلسات أحبك يا أمي واحترمك، أما بالنسبة لي، فإنك لم تكوني كأي أم بل كنت الأم الحنون المعطاء والصديقة المخلصة الوفية الكاتمة لأسراري والأخت المرحة العفوية التي مهما صار أو كان دوما أجدها معي وإلى جانبي فمازلت أذكر عندما كنت أعيش في الولايات المتحدة وكان الجو باردا والثلج يغطي الطريق وكنت أريد أن أذهب للنزهة وفجأة أجدك جاهــــزة قـــبلي كي تذهبي معي، نعم فقدت الأم والأخت والصديقة في فقدانك يا أمي، أما أصدقاؤك وذووك فقد فقدوا صاحبة الفكر السديد والصديقة الوفية، لقد حزنت الدنيا يا أمي وكلنا مشتاقون إلى لقائك في الفردوس الأعلى بإذن الله، لا أذكر أني رأيت أو خاطبت أحدا إلا وأوصاني بأن أكون خير خلف لخير سلف فكيف يكون خلفك يا أمي ؟؟ وأنت حقا خير سلف.
بعد رحيلك أخذت أتجول في أنحاء المنزل راجية أن أجد شيئا مميزا من أغراضك فأحتفــظ به ذكرى واحترت فكل شيء وجدته مهما كبر أو صغر كان يحمل شيئا من بصماتك مازلت أذكر ضحكـــتك الجميلة العذبة التي كانت تطرب كل من يسمعها وكأنـــها أنشودة شجية في مسامعهم، رحلت وأنت مازلت في منتصف الطــريقـــه وكان أمامـــك الكثير من الأهداف والمشاريع التي كنت تتمنين أن تنجزيها ولكن العـــزيز الـــقدير لم يشأ ذلك وأرادك أن تكـــوني في مكان أحسن وأرقى بإذن الله ومع ذلك فــقـــد حقـــقت الكــثـيـر والمفيد فالإنسان لا يذكر بالعمر الذي قضاه في الدنيا ولكن بما عمله وأنجزه في عمره هذا.
ارتاحي الآن يا أمي في سلام والآن جاء دوري أنا وأخي فيصل لنكمل طريقك العظيم أعدك يا أمي وأعدكم بأني سأبذل قصارى جهدي كي أكون خير خلف لخير سلف، أشكر كل من تقدم لأمي بالعزاء والمواساة لنا كما أشكر زميلاتها الفاضلات اللواتي أثلجن صدورنا بما كتبن في الصحف رثاء لها، أشكر صديقاتها المخلصات اللائي ربطتهن بأمي صداقة العمر والأخوة وإنا لله وإنا إليه راجعون.
غادة المثال
أما ابنها فيصل كيال فقال في فقدانها:
قال تعالى : «كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» في يوم الاثنين 4/7/2007م ودعت مدينة جدة بكل الأسى والحزن ابنتها وكاتــبتها الأم الحنون الدكتورة غادة عبد العزيز الحـــوطي (رحمها الله) لقد كــانت أمي غادة مثـــالا يقتدى به في طرح قضايا المجتمع ومشـــاكل الناس وحلها، خاصة في عائلتنا، ترى كل فرد صغيرا أو كبيرا يحاول التحلي بآدابها وأخلاقها وأسلوبها كل منهم طموح بأن يصبح مثل غادة الحوطي في يوم من الأيام سواء كان رجلا أو امرأة، كانت رحمها الله محبوبة من كل الناس(ولله الحمد) كانت طيبة، حنونة، ذكية، مبتسمة متفائلة في الحياة طموحة محبة لعمل الخير وأهله.
حياتها الشخصية كانت دائما تفرغـــها لزوجها وأبنائها بالرغم من مشاغل عملها، فبالنسبة لي أنا وأختي غـــالية كـــانت توفر لنا جميع ما نحتاجه، كانت دوما (رحمها الله) تسهر وتتعب من أجل فرحتنا وراحتنا حتى لا نشعر بالنقص، كانت الأب عند الشدة والأم عند الحنان والعطف والطيبة، والصديقة عند الرأي والمشورة والدكتورة عند العلم والتربية.
كانـــت قريبة من ربها عز وجل ومحبة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فكرست حياتها فيمـــا يخص الإسلام ودراساته فألفت مؤلفين في هذا الاتجاه (التوازن معيار جمالي) و (الصورة الفنية في الحديث النبوي) وكان قلمها المرموق يعبر عن اهتمامات ومشاكل الحياة في شتى المجالات، عاش قلمها مناضلا ثماني سنوات في جريدة عكاظ قبل أن تنتقل إلى جريدة الوطن ويجف حبرها هناك (رحمها الله) حتى في ذروة مرضها كانت حريصة على أن يظهر مقالها الأسبوعي في اليوم المحدد له حتى لا يفتقدها قراؤها رغم كل الظروف التي كانت تعيشها.
عشت معها تسعة عشر عاما من عمري أجمل الأيام علمتني كيف أصبح رجلا أكافح وأناضل وأن لا أقف مهزوزا أمام الأبواب المغلقة أمامي في هذه الحياة الصعبة المليئة بالمغامرات، علمتني كيف أحنو على أهلي وأصدقائي وأن أقف دائما معهم وأصل رحمهم، علمتني كيف أحافظ على ديني وأن أتوكل على الله في جميع أموري، كنت دائما أسمعها من خلف الباب تدعو لي ولأختي تقول «اللهم حبب خلقك في أولادي واجعلهم دوما محبوبين من الناس» دائما أتعجب من كثر حب الناس لي ولأختي غالية (الحمد لله) خاصة في عائلتنا ولكن الآن عرفت سبب هذا الحب ألا وهو أن أمي كانت محبوبة من جميع الناس (وله الحمد) لذلك حبب الله عز وجل جميع الناس فيها وفي أولادها ويسر لهم الخير، كنت ولا زلت أفتخر بأمي وما فعلته للمجتمع ولنا، رفعت رأسنا حتى في آخر لحظة في حياتها، دائما عندما أقابل أناس لأعرفهم باسمي ونفسي ترى علامة عدم المعرفة في وجوههم إلى أن أقول (أنا ابن الدكتورة غادة الحوطي) ترى ملامح وجوههم تغيرت وابتسمت وتلقائيا تسمعهم يدعون لها بالخير والبركة ويمدحونها على كل ما تفعله لأجلنا ولأجل أناس كثيرين.
لا أدري من أين أبدأ بشكرك يا أغلى وأحلى وأرقى أم في هذه الدنيا، ولكني أعدك بأني سأسير على نهجك وان أرفع رأسك دوما يا جميلتي.. وفي النهاية لم يبقَ غير الدعاء لك يا أمي بالرحمة والمغفرة واسأل الله العلي الكريم بأن يسكنك جنة الفردوس مع النبيين والصديقين والشهداء وان يجمعنا بك في عليين بإذنه.. «أحبك يا أمي».
ذكريات لا تنسى
وتقول د.صلوح السريحي (صديقة الراحلة):
قبل أشهر فقدنا الزميلة والصديقة الدكتورة غادة الحوطي، وبغيابها تمثل لنا الفقد شاخصا عند كل موقف وعند كل ذكرى تشدنا لها أو تشدها لنا، وبقدوم شهر رمضان الكريم – وهو أول رمضان بدونها – يزداد الإحساس بطيف خيالها حاضرا، زميلة دراسة وعمل وصديقة، يزداد الإحساس بانتهاء عشرين عاما هي عمر معرفـــتي بها، أقتطع هذه الأعــــوام من عمـــري وأقـــف أمامها لأتذكر أجمل الـــذكريات وأقربها إلى النفس عندها أفـــتقـــد جدية الصديقة وهزلها، كــما أفتقد جدل الصديقــــة وعمق فكرهـــا ووضوحــه أفــتـقــد غيرتها على قضايا العلم والتعــــليم والوطن والمواطن أفــتـقـد في شهر رمضان اتصالها الهاتفي أو رسالتها أو حتى مـــقـــال لها يهـــنئ بقــــدوم شهر رمضان يحمل صوتها أو شيئا منها ويعيدني إلى صداقة قديمة وزمالة لازالت أحمل عبق ذكرياتنا.
وكانت تربطني بغادة رحمها الله زمالة البحث المشترك في مادة الصورة وكانت أكثر وعياً لأنها أخذت الصورة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ودائماً ما تتذكر رحلتها إلى مكة في رسالة الماجستير والدكتوراه وقد جمعتها صداقة بالزميلة ندى التميمي التي توفيت قبل 5 سنوات بنفس المرض واذكـــر يوم وفـــاتها مدى التأثر والحزن الذي عاشته بعد رحيل صديقة عمرها وكتبت مقالاً آنذاك بعنوان «يرحمك الله يا ندى» ذكرت فيه مآثر صديقتها ومواقـــفها خاتمة مقالها بكلمة رحمك الله ولا املك اليوم إلا أن أقول رحمك الله يا غادة فالمـــوت يمر أمامنا في أكثر من مرة لكننا في كل مرة نقف أمامه كأننا لأول مرة.