تتضارب وتتناقض.. أحيانا اقوال المدعى عليهم في القضايا الأمنية او القضائية او الحقوقية بين ماهو مدون في محاضر الضبط والتحقيق.. وبين ما يدلي به هؤلاء امام القضاة اذ ان المعتبر شرعا عند القضاة هو ما يدلى به المدعى عليه امام المحكمة من حقائق ومعلومات.. قد تكون مخالفة لما هو موجود في تلك المحاضر مما يسبب فجوة (قانونية) بين القضاة وجهات الضبط والتحقيق (هيئة التحقيق والادعاء العام، اقسام الشرط، هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). القضاة يعتبرون تلك المحاضر والتي استغرقت وقتا طويلا وعملا اداريا بين عدة جهات على انها محاضر (أولية) وغير معتبرة شرعا مع الاستئناس بها احيانا في توجيه بعض الأسئلة للمدعى عليه اثناء المحاكمة.. وربما تكون افاداته مخالفة لما هو موجود في تلك المحاضر او منكرة بما هو مضبوط في الواقعة او كلاهما معا مما يضطر القاضي الى طلب (البينة من المدعي واليمين على من انكر). وعند هذه اللحظة يفاجأ فيها المدعي بانكار المدعى عليه للحقيقة او تغيير اقواله عند القاضي مفيدا ان اقواله في التحقيق انتزعت منه تحت طائلة الاكراه، المادي او المعنوي وهو الاسلوب الذي يلجأ اليه كثير من المتهمين اليوم داخل المحاكم (سواء صدقوا او كذبوا في ذلك) لكن المهم ان النطق بالحكم يرفع الى جلسة او جلسات اخرى تستغرق وقتا طويلا يكون المدعى عليه غالبا خلف القضبان، والحقيقة غائبة او يشدها كل طرف لصالحه.
ثمة نماذج لمثل هذه الحالات منها (ف. م. ج) الذي اعترف امام المحقق بما نسب اليه وانكر امام القاضي الاتهامات المنسوبة اليه وبقى في السجن 9 أشهر الى ان ثبتت براءته.
ومواطن آخر اثبت التحقيق ومحاضر الضبط ادانته في قضية مخدرات لكنه انكر امام القاضي وادعى -زوراً- ان اعترافه جاء تحت الاكراه وبقيت قضيته معلقة في اكثر من جلسة قضائية الى ان صدر حكم القاضي بادانته وثبوت ما نسب اليه شرعا وذلك بعد مدة طويلة من المداولة.ويقترح عدد من المختصين ان يبقى الامر متروكا للقضاء مع تقديم لائحة الادعاء خالية من اي تحقيق مع المتهم والاكتفاء بمحاضر الضبط التي تثبت ما تم رفعه من مسرح الجريمة او الواقعة كما يؤكد هؤلاء على حق المتهمين في احضار محامين معهم منذ بداية التحقيق وليس بعد وصول القضية الى المحكمة مشددين على ضرورة التقيد بما نص عليه نظام الاجراءات الجزائية دون تجاوز في الممارسات العملية من قبل جهات الضبط والتحقيق.
تجاوز نظام الاجراءات الجزائية
طلال سقا المستشار القانوني تحدث قائلا: في الحقيقة ان الطرح هام بشأن الآلية الحالية التي يتم من خلالها اعداد محاضر الضبط والتحقيق في القضايا الأمنية من قبل الجهات ذات العلاقة، وما يمكن قوله ان القواعد المنظمة واضحة لكن قد يكون هناك خطأ او تجاوز في الممارسات العملية، اذ يفترض ضرورة التقيد بما نص عليه نظام الإجراءات الجزائىة الصادر عام 1422هـ بالمرسوم الملكي رقم (9/39) وتاريخ 28/7/1422هـ من حيث اجراءات الضبط والتحقيق التي تسبق المحاكمة، وهذا النظام روعي في اعداده وصياغته الالتزام بما ورد في المادة (38) من النظام الأساسي للحكم التي قضت بأن (العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الا بناء على نص شرعي، او نص نظامي، ولا عقاب الا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي، فكل جهة اعطيت سلطة الضبط او القبض، ومن ثم التحقيق وفق قواعد يجب مراعاتها والالتزام بها، فلا يجوز لها ان تتخذ هذا الإجراء الا في حالة حصول تلبس بارتكاب الجريمة او قيام أدلة واضحة يترجح معها توجيه التهمة الى شخص معين حتى يبرز ضبطه او القبض عليه، ومن ثم اجراء التحقيق الأولي معه) وهذا كما ذكرت ما يفترض ان يقوم به رجال الضبط الجنائي الذين نص عليهم في المادة (24) بأنهم (هم الأشخاص الذي يقومون بالبحث عن مرتكبي الجرائم وضبطهم وجمع المعلومات والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام) وهؤلاء يتبعون عددا من الجهات التي ذكرت في المادة (26) كل حسب اختصاصها، وبمجرد الضبط او القبض على المتهم يقوم رجل الضبط بالتحقيق الاولى وجمع الاستدلالات التي يتم الحصول عليها، ثم يحال المتهم بعد ذلك الى هيئة التحقيق والادعاء العام لإجراء التحقيق الأساسي من قبل مختصين في التحقيق الأساسي من قبل مختصين في التحقيق بالجرائم الكبيرة او الصغيرة، لكن هناك بعض المخالفات ليست من الجرائم حسب التعريف الذي يعتمد عليه في هيئة التحقيق والادعاء العام، وهذا بخلاف ما تأخذ به القوانين الجزائية او قوانين العقوبات التي تقول بأن الجرائم ثلاثة انواع (جناية وجنحة ومخالفة) ولكن عندنا المخالفة ينظر اليها انها اقل من الجريمة، وهذه تنظرها اللجان ذات الاختصاص القضائي وليست المحاكم فهذه لها جهات تحقيق اخرى، فلو روعي في الممارسات هذه الاجراءات بدقة وعناية فإنه لا تحصل سلبيات، لكن لابد ان سبب السلبيات هو عدم مراعاة ما يقضي به نظام الاجراءات الجزائية وهذا قد يحصل مما يؤدي الى بروز بعض الاخطاء والقصور، وبكل اسف انه في مرحلة الضبط والتحقيق الاولي لا يكون من حق المتهم ان يستعين بوكيل او محام اذ ان ذلك لا يكون الا في مرحلتي التحقيق والمحاكمة حسب نص المادة الرابعة من نظام الاجراءات الجزائية، ووجود الوكيل او المحامي يعد بمثابة المراقب على الاجراءات التي تتم بحيث تتفق مع النظام فإن كانت غير ذلك يبدي المحامي ملحوظاته مكتوبة ترفق مع محضر التحقيق.
لا عقوبة الا بدليل
خالد ابو راشد محامي ومستشار قانوني قال ان ما ذكر من عدم اعتماد القضاء بشكل قطعي على محاضر الضبط والتحقيق فهذا صحيح لأن استقلالية القضاء والقضاة تقتضي ان لا يعتمد القاضي على تلك المحاضر كلية، بل لا بد من سماع ما يبديه ممثل الادعاء العام، وسماع ما يرد به المتهم على الاتهامات الموجه له والقاضي باستقلاليته التي هي من الضمانات الاساسية للمتهم يعتمد على الأدلة الثبوتية التي تقدم اذ لا عقوبة الا بدليل، وكذلك القرائن، لكن قد يستأنس القاضي ببعض ما يرد في محاضر التحقيق في مناقشة المتهم فيما وجه اليه من تهمة ويطلب منه بعض الأدلة والقرائن المؤدية لدفوعه ودفاعه، فالقاضي او القضاة في المحكمة (اذا كانوا اكثر من قاض) يفترض انهم يتحرون بكل دقة وعناية في ان لا يدان اي متهم الا بموجب ادلة واضحة وتجنب الاعتماد كلية على مايرد في المحاضر اذا ما نفاها المتهم او انكرها أو قال على سبيل المثال بأنها انتزعت منه تحت طائلة الاكراه المادي او المعنوي.
مصادر قضائية اوضحت ان القضاة يتعاملون مع محاضر الضبط والتحقيق المقدمة من الجهات ذات العلاقة (هيئة التحقيق والادعاء العام، اقسام الشرط، هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مرده في الاصل بما يدلي به المدعى عليه بمنتهى الحرية في المجلس القضائي، او ما اعترف به شرعا امام القضاء.واكدت المصادر انه «لا عبرة بمحاضر التحقيق المقدمة من تلك الجهات، قبل ان تصدق اعترافات المدعى عليه شرعا».واشارت المصادر الى ان المدعى عليه اذا ادلى بمعلومات تختلف عن المعلومات التي قدمها اثناء التحقيق، فإن هذا يعرض ما ورد في محاضر التحقيق لشيء من المناقشة والمساءلة، فمتى ما ثبت بالبينة (الاعتراف، الشهود، القرائن) صحة ما ورد في محاضر التحقيق اخذ به، وما لم يثبت بالبينة لا يؤخذ به واحيانا تعتبر هذه الاشكالية سبيلا لكشف اطراف اخرى لها علاقة او مساس مباشر بالواقعة او الجريمة.
اعترافات امام القاضي
واوضحت المصادر: ان القضاء يستفيد من محاضر التحقيق اذا كانت مطابقة للواقع، وهذا يخدم العدالة بكل وضوح لمعرفة القضية وملابساتها، وهو ان شاء الله الأصل التي تكون عليه محاضر الضبط والتحقيق من انها تكون مطابقة للواقع وتخدم العدالة، ولكن هناك حقائق قد تخفى على المحققين فيما تظهر للقاضي، وهذا كثيرا ما يحدث، مثل اعترافات لم يظهرها المدعى عليه اثناء سير التحقيق، ويظهرها امام القاضي، او يتلمسها من اقواله اثناء المحاكمة، لذلك القاضي قد يستأنس بما يرد في محاضر الضبط والتحقيق، ويسأل المدعى عليه ويناقشه عنها، لكن ان انكرها لم تعتبر، لأن الأصل هو ما يرد على لسان المدعى عليه في المجلس القضائي.
يعترفون في المحاضر وينكرون أمام القضاة
متهمون يؤخرون البت في القضايا بالتلاعب في الأقوال
11 يوليو 2007 - 19:26
|
آخر تحديث 11 يوليو 2007 - 19:26
تابع قناة عكاظ على الواتساب
عدنان الشبراوي (جدة)