ولا تعطين الرأي من لا يريده
فلا أنت محمود، ولا الرأي نافعه
خير الرأي، الذي يعطى عند الحاجة إليه، وأسوأه ما تبرع به صاحبه فأمدك به قبل أن تطلبه منه أو تستشعر حاجتك إليه. التبرع بالرأي لا فائدة ترجى منه، لأن الذي يتلقاه بلا طلب، لن يقدره حق قدره ولن يلتفت إليه باهتمام يستحقه، هو لن يرى فيه سوى تطفل من المتبرع به، غايته التباهي بالمعرفة أو الحكمة أو الورع، وغالبا يترك ذلك في النفس نفورا ورغبة في المعاندة تعبيرا عن الغيظ أو الاحتجاج.
وهذا البيت يقوله الإمام الشافعي رحمه الله، يحذر به الناس من المبادرة إلى التبرع بآرائهم، خاصة أولئك الذين يغرمون بتوزيع آرائهم مجانا على الآخرين، فهم لن يحصلوا إلا على الخيبة، لن يؤخذ برأيهم ولن يحمدهم أحد.
الرأي الذي يتبرع به صاحبه قبل أن يطلب منه، هو رأي يساق مجانا بلا ثمن، لذا من المتوقع أن يقابل بالبرود واللا مبالاة، فمن طبع الناس أن يستهينوا بما يحصلون عليه بالمجان، ويتعاملوا معه باستهانة غير مبالين به، على خلاف ما يدفعون ثمنه، فإنه تكون له عندهم مكانة أخرى، وينال منهم تقديرا واهتماما وحرصا، وكلما زاد مقدار الثمن الذي دفعوه فيه، زاد إقبالهم عليه واهتمامهم به، لذا نجد أن الرأي المباع أو ما تعارف عليه الناس باسم (استشارة)، سوقه عامرة، وكلما غالى المستشار في سعر رأيه، زاد إقبال الناس عليه.
والناس يقبلون على الرأي المباع وينفرون من الرأي المجاني، لأنهم يستشعرون في قرارة أنفسهم حاجتهم إليه، فيطلبونه حتى وإن دفعوا ثمنا باهظا للحصول عليه، أما ما يهدى لهم من الرأي فإنه يجيئهم في غير وقته وبلا حاجة إليه.
الاستشارة حتى وان تدثرت بثوب النصيحة، شتان بينها وبين النصيحة، الاستشارة لا تعطى إلا بالطلب وبعد أن يُدفع ثمنها، فتجد لها من التكريم والترحيب ما تستحق، أما النصيحة فإنها غالبا تعطى بلا مقابل ومن غير طلب، وما كان هذا شأنه لا قيمة له.
قديما قيل، خير المعروف إغاثة الملهوف، هذا مالقنته لنا كتب المدرسة منذ أن كنا صغارا، ومنح الرأي لا يكون خيرا إلا متى استُشعرت الحاجة إليه فطُلب، آنذاك يمكن إبداء الرأي حيث يكون من المعروف.