-A +A
عبدالله حسن العبدالباقي
خليج تاروت هو جزء من ساحلنا على الخليج العربي يمتد من رأس تنورة حتى الدمام ويمر على العديد من المدن والقرى الواقعة على الخليج والتي ارتبطت حياتها بهذا الخليج بدءاً من صفوى، العوامية، القطيف، عنك وسيهات حتى الدمام. ما يميز هذا الخليج أنه وحسب معهد البحوث التابع لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن به أكبر كثافة في العالم لأشجار «القرم» أو تسمى أيضاً «المانجروف» ومسمى ثالث «الشورى الأسود» ولذا يعتبر من أكبر وأهم مناطق الحضانة والرعاية والتغذية الطبيعية للأحياء البحرية وخصوصاً الروبيان ( القمبري ) بالإضافة إلى صغار الأسماك (السبيطي) و (العريضي) وغيرها التي تميز المنطقة بأنواع من الأسماك ذات طعم وذوق خاص. أشجار القرم هذه تعيش في المنطقة ما بين المد والجزر لذا فهي مرتبطة أشد الارتباط بدورة حياة الكثير من الأسماك وبالذات الروبيان الذي يعيش في أحد مراحل نموه وتطوره من بيضة حتى الجسم الكامل معتمداً اعتماداً كلياً على النمو عبر التغذية التبادلية الناتجة عن تواجد شجرة القرم وهو بالإضافة إلى ذلك يلعب الكثير من الأدوار في حماية البيئة البحرية والشاطئية فهو ملجأ للطيور المستوطنة والمهاجرة، كما أنه يساهم في زيادة نسبة الأوكسجين ويقلل من نسبة تسخين المناخ باعتباره ممتصاً للحرارة كما يقوم بدور امتصاص الملوثات الكيميائية والبترولية التي تعج بها شواطئنا وخصوصاً في السنوات الأخيرة، وهو كذلك يقوم بدور المصد الطبيعي للأمواج العاتية. إنه ببساطة شديدة محمية طبيعية حباها الله لهذا الخليج، ووفر عبرها ثروة سمكية عاشت عليها أجيال وأجيال، ولازالت تعتمد عليها المئات من العوائل الذين يعتمدون بعد الله في رزقهم على صيد الأسماك.
أشجار القرم هذه التي ميزت الخليج بدأت في الموت والاضمحلال نتيجة أعمال الردم المتواصل لخليج تاروت بدءا من منطقة الدمام مروراً بسيهات وعنك والقطيف. وأنشئت مدن وحارات على أنقاض تلك الأشجار، الأمر الذي يعتبر من منظار حماية البيئة تعديا صارخا على المحميات الطبيعية والثروة السمكية وفقدان لتميز حباه الله لهذا الخليج لا يمكن تعويضه.
يقول الدكتور ناصر الصالح المدير العام للشركة السعودية للأسماك: إن محصول الصيد في خليج تاروت انخفض بنسبة 20 % لا لأي سبب آخر سوى اضمحلال موطنها الأصلي نتيجة عمليات الردم التي بدأت منذ عام 1990م. الجديد في موضوع خليج تاروت أنه بعد أن تم القضاء على القرم في معظم شواطئ الدمام وسيهات وعنك والقطيف بدأت الآن دور عمليات الردم للشواطئ المواجهة لمدينة صفوى ورأس تنورة وهي جزء مما تبقى من أشجار المانجروف «القرم» في منطقة خليج تاروت وذلك تحت حجة بناء جسر يربط منطقة رحيمة ورأس تنورة بمطار الملك فهد. بناء جسر بحد ذاته ربما يكون أمراً حيوياً للمنطقة شرط أن لا يكون على حساب القرم والمحمية الطبيعية، الجسر طوله 16 إلى 18 كيلومترا ويمكن أن يُقام عبر ربط اليابسة باليابسة، لكن أن يخطط الجسر بحيث يتم ردم عدة كيلو مترات في داخل البحر من الجهتين أي (منطقة رحيمة ومنطقة صفوى) فذلك يعني إصدار حكم الأعدام مع سبق الإصرار والترصد لأشجار القرم والقضاء على ما تبقى مما يميز خليج تاروت، وفوق كل ذلك ضرب أرزاق مئات العوائل التي تعتمد اعتماداً كلياً على صيد الأسماك. ونضوب الثروة السمكية الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى ندرتها وبالتالي زيادة سعرها بل استيرادها من الخارج بعد أن كانت هذه المنطقة على الدوام مصدرا للأسماك لكافة منطقة الخليج وغيرها. وذلك يعني إضافة أعداد جديدة لجيش العاطلين عن العمل الذي وفر هذا الخليج لجزء منهم مصدرا دائما للرزق الحلال.
الغريب في الأمر أن المحاولات من أجل ردم هذه المنطقة ليست وليدة اليوم وسبق لمعالي وزير الزراعة الدكتور فهد بن عبد الرحمن بالغنيم أن رفض ردم هذه المنطقة بناءً على توصيات لجنة شُكلت بالأمر السامي وتوصيات الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية التي بينت خطورة الردم على البيئة البحرية والساحلية وتأثيرها المباشر على أشجار المانجروف.
كما ذكر وزير الزراعة بأن عمليات الردم تتعارض مع الأمر السامي الكريم رقم 1861/8 في 27/08/1404هـ القاضي بالموافقة على مرئيات اللجنة الوزارية المشكلة لدراسة ردميات البحر في المنطقة الشرقية والتي قضت بأن يكون خليج تاروت على وضعه الحالي بدون ردم، كما أنه يتعارض مع الأمر السامي رقم 1004 الصادر في 20/01/1419هـ القاضي بعدم التمليك أو منح الأراضي الساحلية أو إصدار تراخيص عليها بعمق 400 متر عن الشاطئ باستثناء الضرورات الأمنية. وكذلك الأمر السامي الكريم رقم 982/م الصادر في 15/09/1419هـ الذي تتضمن الفقرة الأولى فيه منع الردم على الواجهات البحرية والفقرة الثانية في حالة عدم وجود ضرر على البيئة أو المصلحة العامة فيمكن النظر في الموافقة على الردم. ومع كل تلك الأوامر السامية إلا أن عمليات الردم تتواصل ومخططات توزيع الأراضي التي ستكون بعد الردم مستمرة على حساب حماية البيئة وعلى حساب الثروة السمكية والساحلية وعلى حساب صيادي الأسماك. فهل علينا أن ننعي خليج تـاروت ونعلن وفاته ؟
سؤال موجه إلى وزارة الزراعة والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وكل أصحاب الشأن وفوقهُم جميعاً خادم الحرمين الشريفين الذي أوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأوامره السامية وحرصه على حماية شواطئنا وسواحلنا وبيئتنا البحرية.
ABUMASAR@HOTMAIL.COM


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة