11
11
-A +A
«عكاظ» (إسطنبول) OKAZ_online@

منذ أن تأسست المملكة العربية السعودية في عام 1932، اعتمدت مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذا المبدأ ما زال سارياً في سياستها الخارجية، ولعلَّ العلاقات السعودية مع الجوار تشهد صدقية هذا المبدأ، إذ لم يسجل التاريخ أية حالة من حالات التدخل السعودي في دول الجوار.

في المقابل، تريد المملكة تعميم هذا المبدأ في المنطقة، حتى لا تتحول إلى غابة يطلق فيها يد القوي على الضعيف، وهو في الوقت ذاته مبدأ من مبادئ الأمم المتحدة، ولعل السعودية الأكثر التزاماً بهذا المبدأ، بل يشير التاريخ السياسي الحديث إلى دور المملكة في فض الكثير من النزاعات بين الدول وتحقيق الأمن والاستقرار.

ومثَّل الاتفاق السعودي -الإيراني الأخير برعاية الصين، صدمة إيجابية للعالم ولدول المنطقة، إذ تمكنت الرياض من طي صفحة الخلافات مع طهران بجدارة وحسن نية على أساس الاحترام المتبادل لسيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبهذا أوجد الاتفاق أجواء إيجابية على المستوى السياسي والأمني؛ خصوصاً في إيران التي كانت في حاجة ماسة لهذا الاتفاق في ظل الظروف الداخلية والدولية التي تعاني منها، ما يبعث الأمل في إيجاد شرق أوسط جديد بأيادٍ سعودية، هو أبعاد هذا الاتفاق والتفاصيل التي وردت فيه، فالبيان الثلاثي المشترك يشير إلى تفعيل وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، بالإضافة إلى تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين والتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب.

ومن يتعمّق في نص البيان، يجد أنه يحمل أبعاداً إستراتيجية للمنطقة، خصوصاً أنه لا يتوقف عند وقف الخلافات والصراعات، بل يذهب إلى تشبيك العلاقات الاقتصادية، الأمر الذي يجعل من هذا الاتفاق قادراً على الحياة بشكل أصح، في ظل ترابط المصالح الأمنية والاقتصادية، فضلاً عن العنوان السياسي العريض القائم على نبذ التدخل في الشؤون الداخلية.

وأتقنت المملكة العربية السعودية، طوال العقود الماضية، فلسفة إطفاء الحرائق السياسية في المنطقة، ومن الأولى تطبيق هذه السياسة مع دول الجوار، إذ لا بدَّ من أن يكون العمق الإستراتيجي آمناً للدولة السعودية حتى تمضي في مشروعها التنموي؛ الذي يتجسد في رؤية 2030، وخلال الأعوام الثلاثة الماضية كان الاندفاع السعودي ملحوظاً إلى العراق الجار العميق للمملكة، وتم نقل هذه العلاقة على أعلى المستويات بما فيها المستوى الاقتصادي، وبدا الاتجاه السعودي واضحاً لتجاوز التاريخ المرتبك مع دول الجوار، إلا أن الاتفاق مع إيران كان العنوان العريض للسياسة السعودية في تصفير المشاكل.

ويأتي الانفتاح على سورية أيضاً في هذا الإطار السياسي السعودي لتحويل المنطقة إلى بحر آمن لا تتربص فيه دولة بأخرى، وعليه ستكون القمة العربية المرتقبة في الرياض، في مايو القادم، عنواناً كبيراً في تاريخ القمم العربية، خصوصاً أن حضور سورية مطروح على الطاولة.

إن السلام والاستقرار يصنعه الشجعان، وفي الاتفاق السعودي الإيراني قدر كبير من الشجاعة، إذ إنه خطوة مهمة لطيِّ صفحة الصراعات والخلافات، ولا تتوقف الشجاعة عند إعلان سياسة حسن الجوار، وإنما تجاوز ذلك بالسعي لتطوير العلاقات.

السياسي قادر على تغيير الكثير من الوقائع والمعطيات، لكنه غير قادر على تغيير الجغرافيا التي تعتبر قدراً من أقدار الدول ولا بد من التعامل معه بحكمة وحسن نوايا، نعم حسن النوايا كل ما تريده السعودية من إيران ومن دول المنطقة، وفي حال جرت الدماء في هذا الاتفاق، فإننا أمام تحول جيوسياسي كبير في الشرق الأوسط والعالم، من شأنه أن ينعكس على الاقتصاد والتنمية في المنطقة.