-A +A
زياد عيتاني (بيروت) ziadgazi@

لم ينكفئ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن المعركة الانتخابية النيابية على طريقة سعد الحريري بتعليق عمله السياسي، بل انكفأ لتأكيد ترشيحه لرئاسة الحكومة من دون الدخول في الامتحان الانتخابي، مراهناً على امتحان واحد لا غير عنوانه: الاتفاق غير المعلن ما بين فرنسا بشخص رئيسها ايمانويل ماكرون والثنائي (حزب الله وحركة أمل) الذي كانت أولى بوادره في اجتماع الرومانسية السياسية لماكرون مع القيادات اللبنانية في قصر الصنوبر بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس من عام 2020.

ينام ميقاتي ملء جفونه مطمئناً، مستنداً على 3 حيثيات تجعل تكليفه برئاسة الحكومة أمراً محسوماً بعيداً عن كل المحاذير، الأولى دعمٌ فرنسيٌ عبر الرئيس إيمانويل ماكرون لإعادة ترشيحه، تمّت صياغته وتمتينه بالعلاقة التي تربط شقيقه طه ميقاتي برئيس الاستخبارات الفرنسية برنار إيمييه، والثانية دعم الثنائي الشيعي لإعادة تسميته وتكليفه مع حرص هذا الثنائي على مداراة الشارع السُّنِّي التقليدي في تسمية رئيس الحكومة، والحيثية الثالثة والأخيرة تأييد سعد الحريري وتياره لتسمية ميقاتي مجدداً على قاعدة قالها أحد أبرز المقربين من سعد في مجلس خاص: «الرجل لم يخطئ معنا في الفترة السابقة، ملتزم ومتجاوب بكل ما اتفق معه عليه منذ تكليفه في الحكومة السابقة، وكذلك في الانتخابات النيابية الأخيرة».

مخطط ميقاتي لا ينغّصه اليوم سوى التباين المعلن مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، تباين كما يبدو عرضة للأخذ والرد، إذا يرى باسيل أنّ ميقاتي عاد إلى السراي الحكومي من بوابة أنه البديل لسعد الحريري في التسوية الرئاسية التي عُقدت عام 2016، لكن صهر الرئيس ميشال عون يأخذ على ميقاتي أنه يحاول التملّص من حيثيات التسوية التي من شأنها أن تبقيه في رئاسة الحكومة مقابل أن يُنتخب جبران باسيل خلفاً لعمه في رئاسة الجمهورية.

أمر لا يرفضه ميقاتي بالمطلق، لم يصرّح عكسه في أي كلام صادر عنه منذ تكليفه بتشكيل الحكومة المستقيلة حالياً إلا أنه يرى أنّ الأمر مرتبط بالتوافق الوطني الجامع، وليس عبر تسوية تشكّل إمعاناً بالمأزق الكبير.

ربما ابن الميقاتي كما كان يسميه الرئيس الراحل عمر كرامي مصيباً، وقد يكون غير مصيب، نتائج الانتخابات النيابية، وما انتهت إليه من مفاجآت ووجوه جديدة لم تكن مطروحة في حساباته، الحكومة القادمة من دون قوى المعارضة والتغيير، هي حكومة أقرب إلى حكومة «القمصان السود» عام 2008، وإن ضمّت اليوم قمصاناً زرقاء ملتبسة بلونها وفعاليتها، وهنا يُطرح السؤال المركزي: هل من مصلحة لميقاتي في هكذا حكومة، أم أنّ الرجل مستعد لكل شيء إلا الخروج من السراي الحكومي الكبير؟