-A +A
«عكاظ» (جدة)

يعود تاريخ العلاقات بين السعودية وجمهورية ألمانيا الاتحادية إلى العام 1929، وذلك عندما وقع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- اتفاقية الصداقة بين البلدين، وفي العام 1938 عين الدكتور جروبا السفير الألماني في بغداد أول ممثل لألمانيا غير مقيم في السعودية، وبعد أن استعادت جمهورية ألمانيا الاتحادية سيادتها بعد الحرب العالمية الثانية قررت المملكة إعادة العلاقات معها، وكان ذلك في العام 1954.

ولعب الحوار القائم بين البلدين دوراً في تقريب وجهات النظر والرؤى تجاه العديد من القضايا الثنائية وذات الاهتمام المشترك، حيث تشهد العلاقات الثنائية تطورات ملموسة، أكده التواصل المستمر واللقاءات بين قيادتي ومسؤولي البلدين، والتي كان أبرزها لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مع دولة المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل على هامش مؤتمر القمة العربية الألمانية بشرم الشيخ في فبراير 2019، وأخيراً، المكالمة الهاتفية بين ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مع دولة المستشار الألماني السيد أولاف شولتس في 16 أغسطس 2022.

كما أسهمت اللقاءات على المستوى الوزاري في تعزيز العلاقات الثنائية، كلقاء وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله مع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس على هامش اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة العشرين في اليابان في 24 نوفمبر 2019، وزيارة وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز إلى برلين في مايو 2021، ونجاح انعقاد اللجنة السعودية الألمانية المشتركة في برلين برئاسة وزير المالية محمد الجدعان ووزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير في 17 ديسمبر 2019.

وتعزيزاً لهذه العلاقات عُقدت لقاءات وأنشطة بين مسؤولي البلدين، كجولة المشاورات السياسة التي عقدت في الرياض في 30 يناير 2019، برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء مبعوث المناخ عادل الجبير، ومشاركة سكرتير الدولة بوزارة الخارجية الألمانية أندرياس ميشائيليس، ولقاء الجبير مع عضو البرلمان الألماني نيلس آنن في 25 نوفمبر 2020، الذي أكد أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين والتطلع لتعزيزها.

ويحرص البلدان على تطوير العلاقات الثنائية في المجالات كافة، وتعزيز فرص التعاون المشترك بينهما بما يخدم مصالحهما المشتركة، ويدعم جهود السعودية لتحقيق أهداف رؤية 2030 وبرامجها التنفيذية، وتتشاور قيادتا البلدين حيال العديد من القضايا والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، في مقدمتها تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

والبلدان عضوان بارزان في الأمم المتحدة يدعمان جهود تعزيز علاقات الصداقة والتعاون مع جميع دول العالم المحبة للسلام والعمل من أجل إقرار الحوار والتشاور وتأمين العدالة والازدهار لجميع الشعوب وضمان التفاهم والتعاون والصداقة بين جميع الأمم وإيجاد عالم يسوده الوئام.

وتدعم السعودية وألمانيا رئاسة إندونيسيا لمجموعة العشرين لهذا العام 2022، تحت شعار «نتعافى معاً، نتعافى بشكلٍ أقوى»، ويأتي تعاون البلدين كأعضاء في المجموعة لإنجاح برنامج الرئاسة الإندونيسية لهذا العام.

واقتصادياً تعد ألمانيا أحد أكبر اقتصادات العالم، باحتلالها المركز الأول أوروبياً والرابع عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي.

وتعد السعودية ثاني أهم شريك تجاري لألمانيا في العالم العربي بعد الإمارات العربية المتحدة، كما أن ألمانيا هي رابع أكبر مورد للسعودية، وتحتل المملكة المرتبة الثامنة والثلاثين من حيث أهميتها كشريك تجاري لألمانيا في عام 2021، والمرتبة الثانية لمستوردي السلع الألمانية من العالم العربي بعد الإمارات، بواردات تبلغ (4107,13) مليون يورو. ويميل ميزان التبادل التجاري بين البلدين لمصلحة ألمانيا، وتبلغ الصادرات السعودية لألمانيا (816,84 مليون يورو). ويبدي المسؤولون والبرلمانيون الألمان إعجاباً واضحاً برؤية السعودية 2030، حيث يحرصون على المشاركة في فعاليات وبرامج الرؤية خصوصاً في المجالات الثقافية والاقتصادية والاستثمارية.

وتسهم عدد من الشركات الألمانية في مشاريع رؤية المملكة 2030 في مجالات تطوير البنية التحتية، والطاقة، وتطوير القطاع الصحي.

وأسست لجنة للتعاون المشترك بين المملكة وألمانيا في المجال الاقتصادي والتقني في العام 1977، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين في كافة المجالات لا سيما الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، والعلمية، والتقنية، والزراعية، والسياحية، والصحية، ورفع كفاءة الطاقة، وتعزيز كفاءة الموارد، وحماية البيئة والحد من التغير المناخي. وعقدت الدورة العشرون (الأخيرة) للجنة في برلين خلال الفترة 20-1441/4/21 الموافق 17-2019/12/18، برئاسة وزير المالية من الجانب السعودي، والوزير الاتحادي لشؤون الاقتصاد والطاقة من الجانب الألماني، ويجري حالياً التحضير للدورة الـ21 والمقرر عقدها في الرياض خلال النصف الثاني من هذا العام 2022.

وتتمثل المهمات الرئيسة للجنة التعاون المشترك في تشجيع الشركات في القطاعين العام والخاص على التعاون في مجالات التجارة والاستثمار.

ويعقد البلدان دورياً منتدى الأعمال السعودي – الألماني، الذي يهدف إلى تقوية وزيادة التبادل التجاري، في ظل وجود إمكانات كبرى لزيادته، فلدى السعودية وألمانيا العديد من القواسم المشتركة؛ إذ يعد اقتصاد المملكة الأكبر على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك الحال لاقتصاد ألمانيا الذي يعد اقتصادها الأكبر في الاتحاد الأوروبي، كما أن البلدين عضوان مؤثران في مجموعة العشرين.

وتستضيف الهيئة السعودية للمدن الصناعية (مدن) مصانع لمستثمرين ألمان مع شركاء سعوديين، ويصل عددها اليوم إلى 4 مصانع تتوزع بين المدينة الصناعية الثانية بالرياض، والثانية بالدمام، والصناعية الأولى في جدة، وتعمل هذه المصانع في مجالات متنوعة، مثل: صناعة المنتجات النفطية، وصناعات المواد العناية الشخصية، وغيرها.

ويوجد عدد من الاستثمارات الألمانية في مدن الهيئة الملكية للجبيل وينبع عبر نحو 8 شركات، وتتراوح نسبة الشراكة السعودية في تلك الشركات ما بين 30% إلى 78%، ويبلغ مجموع الاستثمارات فيها ما يقارب 310 ملايين دولار، كما تبلغ مساهمة الصندوق الصناعي في تمويل المشروعات المشتركة مع ألمانيا ما قيمته مليار و105 ملايين دولار لعدد 22 مشروعاً.

وسجلت صادرات السعودية إلى ألمانيا في العام 2021 ارتفاعاً بنسبة 19.9% على أساس سنوي، إذ بلغت نحو 108 ملايين دولار من الصادرات النفطية، و430 مليون دولار من الصادرات غير النفطية، كما سجلت واردات المملكة من ألمانيا لعام 2021 ارتفاعاً بنسبة 4.6% مقارنة بالعام السابق، وبلغت نحو 7.491 مليون دولار، ويعود ذلك إلى عودة الأنشطة الاقتصادية، وسجّل الميزان التجاري في العام 2021 تفوقاً لصالح ألمانيا بلغ نحو 6.954 مليون دولار.

وتصدر السعودية نحو 255 مليون دولار من البتروكيماويات إلى ألمانيا، وتعد المواد البتروكيميائية والأسمدة الصناعية من أهم الصادرات السعودية إلى ألمانيا، وتشكل نحو 25% من قيمة الصادرات السعودية إلى ألمانيا، فيما تقدر قيمة واردات ألمانيا الإجمالية من البتروكيماويات نحو 54 مليار دولار، وتعمل المملكة على تطوير سعات البتروكيماويات محلياً وعالمياً لكامل سلسلة القيمة متضمنة البتروكيماويات الأساسية والوسيطة والتحويلية والمتخصصة.

وحول إجمالي الواردات الدوائية للسعودية من ألمانيا في العام الماضي 2021 فقد تخطى 700 مليون دولار، وتتركز في مجالات الأدوية، اللقاحات والأمصال، والأدوات والأجهزة الطبية.

وفي قطاع الطاقة وقعت السعودية وألمانيا في مارس 2021، مذكرة تعاون في مجال الهيدروجين، وتم تفعيل بنود المذكرة من خلال خارطة طريق قائمة على ثلاثة محاور رئيسة، هي: السياسات، والتقنيات، والأعمال، ويعمل المختصون من الجانبين على تحديد أوجه التعاون لتطوير التقنيات في ما يتعلق بإنتاج الهيدروجين النظيف وتخزينه، وتبادل الخبرات والتجارب لتطبيق أفضل الممارسات في مجال مشاريع الهيدروجين.

وتبحث وزارة الطاقة في المملكة سبل التعاون مع ألمانيا في مشروعات قطاعات الطاقة، والتي تشمل قطاع الطاقة التقليدية، والمتجددة، والبتروكيماويات، لتأمين سلاسل الإمداد، من خلال العمل على المشاريع المشتركة وتبادل الخبرات، وتعزيز استخدام الموارد المحلية، بما يدعم خطط التوطين الصناعات ودعم القطاع الخاص، إذ تقدر قيمة مشاريع قطاع الطاقة في السعودية بقيمة 760 مليار دولار خلال السنوات الـ10 القادمة.

وتسعى المملكة للاستفادة من تجربة ألمانيا في الوصول للمركز التاسع عالميًا في مقياس (Global AI Index)، لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة منظومة الطاقة، مثل: زيادة كفاءة أنظمة الطاقة والمساعدة في تقليل الانبعاثات، وكذلك الاستفادة من التجارب الألمانية في كونها المركز العاشر في سلم الابتكار العالمي والثامن في سلم الابتكار العالمي للطاقة.

وفي المجال المعرفي والثقافي، يدرس في الجامعات والمستشفيات والمعاهد المتخصصة بألمانيا 671 طالباً سعودياً، غالبيتهم طلبة مبتعثون أو موظفون مبتعثون، منهم 404 طلاب و267 طالبة، معظمهم يدرسون في المجال الصحي والعلوم الطبية والخدمات الطبية الأخرى، إضافة إلى دارسين في مجالات الهندسة والحرف الهندسية، والأعمال التجارية والإدارة، وتقنية الاتصالات والمعلومات، والتعليم.

ويعد مستشفى شاريتيه المرموق في مدينة برلين مثالاً نموذجياً على التعاون الألماني - السعودي في مجال التأهيل الطبي المتخصص للأطباء السعوديين، كما يوجد لدى معهد جوته -المركز الثقافي الألماني- عدد قياسي من الطلاب الذين يتعلمون اللغة الألمانية، كما أصبحت الألمانية مونيكا ستاب، أول مدربة للمنتخب السعودي النسائي لكرة القدم.