أصدرت وزارة الداخلية بياناً بتنفيذ حكم القتل حداً في ثلاثة جناة بمنطقة مكة المكرمة، أقدموا على قتل محمد محمود الفكي العجب (سوداني الجنسية)، بإطلاق النار عليه؛ ما أدى إلى وفاته، بعد الاتفاق والمساعدة، وتخطيط المدعى عليهم لانتهاك حرمة منزل المجني عليه ورفقائه بالدخول بقصد الاعتداء على الأنفس والأموال.

وبفضل من المولى عز وجل، تمكنت الجهات الأمنية من القبض على الجناة، وأسفر التحقيق معهم عن توجيه الاتهام إليهم بارتكاب الجريمة، وبإحالتهم إلى المحكمة المختصة صدر بحقهم حُكمٌ يقضي بثبوت ما نُسب إليهم وقتلهم حدّاً، وأصبح الحُكم نهائياً بعد استئنافه ثم تأييده من المحكمة العليا، وصدر أمرٌ ملكي بإنفاذ ما تقرر شرعاً.

وتم تنفيذ حُكم القتل حداً بالجناة أحمد بن عبدالله بن علي الشمراني، وبندر بن موسى بن عبده الرزقي القرني، ومهدي بن يحيى بن محمد عواجي (سعوديي الجنسية) الإثنين 24/ 6/ 1447هـ الموافق 15/ 12/ 2025م، بمنطقة مكة المكرمة.

وأكدت وزارة الداخلية للجميع حرص حكومة المملكة العربية السعودية على استتباب الأمن وتحقيق العدل وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في كل من يتعدى على الآمنين أو يسفك دماءهم، أو يسلب أموالهم وينتهك حقهم في الحياة والأمن، وتحذِّر في الوقت نفسه كل من تسول له نفسه الإقدام على مثل ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره.

3 درجات من التقاضي

وأكد قانونيان لـ«عكاظ» أن أحكام القتل أمام المحاكم تمر من خلال ثلاث درجات من التقاضي يباشرها 13 قاضياً كل درجة من التقاضي على حدة.

وكشفا لـ«عكاظ» الفروق بين صدور الحكم بالقتل قصاصاً أو تعزيراً أو حدّاً، وأجمعا على أن الجناة يتم منحهم حقوقهم النظامية الواردة في نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية برفقة محامييهم.

وبحسب التفاصيل التي تابعتها «عكاظ»، اقتص القضاء لمقيم من الجنسية السودانية لقي مصرعه برصاصة غادرة أدت إلى وفاته أمام تسعة من مرافقيه في منزله، إثر قيام عصابة مكونة من ثلاثة جناة دخلت مسكنهم في وقت متأخر، واستخدمت سلاحاً نارياً بقصد الاعتداء على المال والنفس وترويع السكان.

وصادقت المحكمة العليا وهي أعلى جهاز قضائي على الحكم متضمناً قتل الجناة الثلاثة عقب إدانتهم بالاشتراك بقتل المجني عليه محمد محمود الفكي العجب (سوداني الجنسية) عمداً وعدواناً عن طريق الاتفاق والمساعدة وتخطيطهم على انتهاك حرمة منزل المجني عليه وتسعة آخرين كانوا في المسكن ذاته، ودخل الجناة الى منزل الضحية بقصد الاعتداء على الأنفس والأموال، وإيهامهم بأنهم من رجال السلطة العامة وتفتيش غرفة المجني عليهم بقصد السلب، وأطلق أحد الجناة النار على المجنى عليه من سلاح ناري فردي من نوع مسدس طلقة في رأسه أدت إلى وفاته في وقت لاحق.

أدلة رقمية واعترافات وقرائن

ووفقاً للتفاصيل الواردة في صك الحكم، فقد تلقى أحد الموجودين في المسكن طلقة بالمسدس في رأسه في حين جرى ترويع وتهديد البقية، وسلب الجناة أموالاً وممتلكات خاصة من المنزل تحت تهديد السلاح.

وأنهت النيابة العامة التحقيق مع الجناة وأحالتهم الى المحكمة رفقة مجموعة من الأدلة بينها أدلة رقمية وصور كاميرات واعترافات وقرائن.

وطالب المدعي العام بقتل الجناة الثلاثة حدّاً لثبوت دخولهم منزل الضحية، وانتحالهم صفة رجال السلطة العامة، وحيازتهم سلاحاً نارياً دون ترخيص، وإطلاق النار على مقيم سوداني بالمنزل، وسلب أصحاب المنزل ممتلكات خاصة، وترويع الآمنين في وقت متأخر وإشهار السلاح عليهم، وأثبتت التحقيقات أن أحد الجناة كان متعاطياً لمادة (الشبو) المخدر المحظورة، ما يعكس افسادهم وإجرامهم.

ومثل الجناة أمام المحكمة برفقة محامييهم، وقدموا مذكرات جوابية رداً على لوائح الاتهام.

حدّ الحرابة وتأييد المحكمة العليا

خلصت المحكمة إلى ثبوت إدانة الجناة الثلاثة بما نسب إليهم وانتهت إلى الحكم بقتلهم بحد الحرابة، وجرت محاكمة الجناة على ثلاث درجات من التقاضي أمام ثلاث محاكم، آخرها المحكمة العليا، وفي وقت لاحق اكتسب الحكم الصفة النهائية بتأييد المحكمة العليا للحكم من خلال دائرة مكونة من خمسة قضاة، وجرى تهميش الصك بالصيغة التنفيذية النهائية بعبارة «هذا الحكم نهائي وواجب التنفيذ».

واطلعت «عكاظ» على منطوق الحكم ودفوع المتهمين ولائحة المدعي العام، كما اطلعت على مطالبة أسرة القتيل التي تقيم في السودان بالقصاص من قَتَلَة والدهم، واستأنف الجناة على الحكم في درجات التقاضي كافة، ومُكنوا من حقوقهم النظامية الواردة في نظامَي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية

الفرق بين القتل تعزيراً وقصاصاً وحدّاً

قالت المحامية تغريد حدادي لـ«عكاظ»: «تمر قضايا القتل في المملكة العربية السعودية بإجراءات قضائية دقيقة ومتعددة المراحل، ضماناً لحقوق المتهم وتحقيقاً لأعلى درجات العدالة، فبعد القبض على الجاني وإجراء التحقيق اللازم وثبوت التهمة، تُنظر القضية أمام محكمة الدرجة الأولى المشكّلة من ثلاثة قضاة، وفي حال صدور حكم بالقتل، يُرفع الحكم إلى محكمة الاستئناف لتدقيقه من قبل خمسة قضاة، ثم يُحال بعد ذلك إلى المحكمة العليا لتدقيقه من خمسة قضاة آخرين. ولا يُنفذ الحكم إلا بعد صدور الأمر الملكي بإنفاذ ما تقرر شرعاً، وتُعد هذه المراحل القضائية المتتابعة، التي يشترك فيها 13 قاضياً، ضمانة جوهرية لسلامة الأحكام الجزائية وعدالتها. كما تنطبق هذه الإجراءات ذاتها على سائر القضايا التي يترتب عليها إتلاف النفس أو العضو، تأكيداً لمبدأ صيانة الحقوق وتحقيق العدالة».

تكامل الأنظمة القضائية والعدلية

وأضافت: «من حيث التكييف الشرعي، تتعدد أنواع عقوبة القتل في الشريعة الإسلامية والأنظمة المعمول بها في المملكة بحسب طبيعة الجريمة وظروف ارتكابها، فعقوبة القتل قصاصاً تكون جزاءً للجاني بمثل فعله في جرائم الاعتداء على النفس وقتل الغير، ويثبت فيها الحق لأولياء الدم، ولهم وحدهم سلطة العفو أو المطالبة بتنفيذ القصاص وفق الضوابط الشرعية، أما عقوبة القتل حدّاً، فهي عقوبة مقدرة شرعاً، كما في حد الحرابة، ولا يجوز إسقاطها متى توافرت شروط إقامتها وانتفت الشبهة، ولا يملك أحد العفو عنها؛ لكونها حقاً خالصاً للمولى سبحانه وتعالى».

وقالت: «عقوبة القتل تعزيراً تُعد عقوبة غير مقدرة، يقررها ولي الأمر في الجرائم الجسيمة التي لا حدّ فيها ولا قصاص، كجرائم تهريب المخدرات ونحوها مما يهدد أمن المجتمع، ولا يملك العفو عنها إلا ولي الأمر باعتبارها من حقوق الدولة والمصلحة العامة، ويعكس هذا التقسيم الدقيق لعقوبات القتل تكامل الأنظمة القضائية والمنظومة العدلية السعودية في الجمع بين أحكام الشريعة الإسلامية وحماية المجتمع، وتحقيق مقاصد العدالة، وصيانة النفس بأعلى درجات الضمان القضائي».

13 قاضياً يباشرون عقوبات القتل

قال المحامي نبيل ملحان لـ«عكاظ»، إن 13 قاضياً يباشرون عقوبات القتل كضمانة وتأكيد على صون الدماء والتحقق من أن الحكم صائب وخالٍ من أي ملاحظات، ويحكم عادة في قضايا القتل في درجة التقاضي الأولية ثلاثة قضاة، ثم يدقق الحكم من قبل خمسة قضاة في مرحلة الاستئناف، ثم تعاد دراسة وتدقيق الحكم مجدداً من خمسة قضاة آخرين أمام المحكمة العليا وهي أعلى درجة قضائية في المملكة، وفي حال وجود أي ملاحظات يتم التعامل معها طبقاً للأنظمة القضائية، إذ يمكن نقض الحكم أو تأييده أو رصد ملاحظات عليه، وفي حال إقراره يصبح الحكم نهائياً ويرفع لولي الأمر لإكمال ما يلزم، ويُمنح المُحاكمون حقوقهم النظامية الواردة في نظامَي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية برفقة محاميهم.