ربما اعتادت السياسات التقليدية تصدير الأزمات، باعتبارها إحدى وسائل حلحلة إشكالات اقتصادية واجتماعية داخلية، مُرهقة للشعوب، وما من مخرج لامتصاص ردات فعلها إلا بإشعال فتيل أزمات في الإقليم، وتدجين الخطاب السياسي بالتهديد والوعيد، ولعلها من حِيَل العاجز عن تحقيق إصلاحات جذريّة لحماية المواطنين، ورفع كفاءتهم وقدراتهم، وتحسين مستوى معيشتهم.

وفي الوقت الذي يتوقع فيه الجميع توجيه السياسة الإيرانية نحو السِّلْم، وحل التوترات الإقليمية، والاستفادة الذكية من دفء العلاقات مع روسيا والصين، لإحياء مسار الحوار مع دول الخليج والغرب، وتفعيل مبادئ حُسن الجوار مع محيطها الإقليمي، والإسهام في إخماد بؤر التوتر، واقتلاع جذور الخلافات، وإبداء مزيد من النوايا الحسنة، لتعزيز العلاقات وفتح آفاق شراكات إستراتيجية مع دول الخليج، تجدّدت تصريحات تنبئ عن بقاء الحال على ما هو عليه، وكأنه لا جدوى من كافة الجهود الرامية إلى طي صفحة الماضي.

وما لين جانب الخطاب الخليجي، إزاء تصريحات الخارجية الإيرانية، إلا دليل حرص دول مجلس تعاون الخليج العربي على الحكمة في التعامل مع سياسات عاطفية عفا عليها الزمن، وخطابات لم يعد لها أي محل ولا قبول في العصر الرقمي، فالدول الوطنية تسعى جاهدةً في سبيل تحقيق المزيد من الاستقرار والأمن لشعبها، بعيداً عن افتعال أزمات، لتشتيت انتباه الداخل بالصراع الوهمي مع الخارج.

ولن يُعجز دول الخليج اتخاذها ما يلزم من إجراءات قانونية، تحد وتحجم من أوار التهديدات الإيرانية، الناجمة عن وضع داخلي متفاقم التوترات، وعلاجه ليس باستعداء الجوار، بل بالانفتاح على دول لطالما مدّت يد السلام إلى الجارة الشرقية لجزيرة العرب، واعتماد آليات تقوم على نوايا حسنة، ومبادرات إيجابية، ويكفي ما تعلمناه من دروس الجغرافيا، وعِبر التاريخ.