-A +A
إعداد: عبدالعزيزآل غنيم الحقباني
دشنت العلاقات السعودية الأمريكية الاستراتيجية قبل ٧٥ عاما، بالتحديد في العام ١٩٤٥، حيث التقى الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- مع الرئيس روزفلت على متن السفينة والذي أصبح لاحقا يسمى بلقاء كوينسي، نسبة إلى السفينة الحربية “يو إس إس كوينسي”؛ حيث بحثوا عدة قضايا، كان أهمها مستجدات ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما وقّعوا على مذكرة تفاهم تناقش عدة محاور، من أهمها الحق الفلسطيني في أرضه، وحقوق العرب المشروعة،، وغيرها من الأمور ذات الاهتمام المشترك.

من الطبيعي أن توجد التوترات في العلاقات السياسية، حيث إن كل دولة في العالم تهمها مصالحها ومصالح شعبها، والسعودية وأمريكا بينهما مصالح مشتركة عدة مما دفع إلى إقامة التحالف الاستراتيجي المهم وتوقيع مذكرات الدفاع في عهد الملك سعود، وبعده في عهد الملك فيصل، لكن لا بد من وجود عدة محاور يختلف بها القادة، وتحل بينهم، وواجب الدفاع عن المصالح المشتركة للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة والعالم، وتعلم واشنطن أن الرياض هي مفتاح الحسم وهذا الموقف أكده مسؤولون كبار في إدارات سابقة وحالية، منهم هنري كسينجر وزير الخارجية السابق، حيث تعي الإدارة الأمريكية أن المملكة دولة رائدة في السلام والاستقرار ودولة متماسكة في منطقة شبه متهالكة.


‏حظر النفط 1973

بدأ توتر العلاقات بين العرب والغرب بعد حرب ٦٧، حيث دعمت أمريكا وهولندا وبريطانيا المحتل الإسرائيلي، وأعلنت أوبك بقيادة السعودية وقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة، مما أثر سلبا على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وأدى ذلك إلى انهيار سوق الأوراق المالية عام ١٩٧٣-١٩٧٤، وقد اعتبره البعض أول الأحداث ذات الآثار الاقتصادية المستمرة بعد الكساد الكبير عام ١٩٢٩، وفي نوفمبر من نفس العام ، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون قانون توزيع النفط في حالات الطوارئ، وأعلنت اليابان ودول أوروبا الغربية عن تحولهما من التأييد الإسرائيلي إلى الانحياز للسياسات العربية (وبعضها لا يزال ساريا إلى اليوم)، وذكرت تحليلات وتحقيقات سابقة أن سبب نمو وازدهار اليابان هي تلك الأزمة حيث ابتعدوا عن النفط لإيجاد وسائل بديلة أكبر وأضخم من الناحية الاقتصادية. وكشفت مصادر موثوقة للبي بي سي البريطانية أن أمريكا فكرت بالاستيلاء على حقول النفط في الشرق الأوسط إثر الأزمة الاقتصادية التي حلت بها، ولكنها تراجعت.

أحداث 11 سبتمبر 2001

‏الجميع تابع أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تذكر في كل حملة رئاسية أمريكية، وما زال البعض يتذكر تلك الأحداث المؤلمة، التي أثرت قليلا على العلاقات بين البلدين، إذ قامت بعض الوسائل الإعلامية باتهام المملكة بالضلوع في دعم تلك التفجيرات، ولكن بلا أدلة ولا منطق وسبب، فقط اعتمدوا على الـ١٥ سعوديا من أصل ١٩ ممن خطفوا الطائرات الأربع التي هاجمت الولايات المتحدة وأثرت سلبيا على العالم أجمع، أراد زعم القاعدة أسامة بن لادن اختيار كل المهاجمين التسعة عشر من مواطني بلده الأم (السعودية) لكن لم يجد إلا ١٥، وهم الغالبية للفرقة الإرهابية، لكن لماذا اختارهم؟ الجواب واضح جدا، وذكر أكثر من مرة ووفقا لصحيفة الغارديان بتحقيق الصحفي مارتن تشولوف نقلا عن ضابط استخبارات بريطاني، «فإن اختياره للمواطنين السعوديين كان لهدف قلب الغرب على بلده». وفعلا نجح بخلق حرب في الشرق الأوسط لكن ليس هي التي يريدها، وهي ما أدت إلى مقتله لاحقا، الجدير بالذكر أن السعودية ألغت جنسية بن لادن عام ١٩٩٤.



‏‏احتلال العراق 2003

بعد أحداث 11/‏‏‏‏9، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في خطاب متلفز الحرب على الإرهاب واسقط نظام طالبان الداعم الأول للإرهاب، وقبل إعلانه عن حرب العراق وغزوها، تم تسريب الخبر، ونقلت مصادر إعلامية عنه، وأعلن الأمير سعود الفيصل رفضه التام للغزو الأمريكي للعراق، وذلك بلقاء متلفز مع قناة بي بي سي البريطانية، وذكر أن احتلال العراق سيهدد أمن المنطقة بأكملها، وصرحت السعودية أنها لن ولم تسمح لأمريكا باستخدام القواعد العسكرية داخل الأراضي السعودية لقصف العراق، ونقلت الإدارة الأمريكية جنودها إلى قاعدة العديد في قطر. أفاد تقرير شيلكوت أن السعودية عارضت بشكل رسمي الغزو، وحذرت منه، وما ذكره الراحل الفيصل نعيشه اليوم من تدخلات بشؤون الدول من النظام الإيراني الذي قويت شوكته بعد احتلاله العراق بشكل غير مباشر أدى إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة.

‏ملف اليمن 2015

‏‏ بعد أحداث ٢٠١١ في اليمن، قادت المملكة مبادرة خليجية للتهدئة، عن طريق ترتيب نظام سلس يسمح بانتقال السلطة بهدوء من الرئيس السابق علي صالح إلى الرئيس عبدربه منصور هادي، ووقعت عليه دول مجلس التعاون الخليجي، كما وقفت المملكة مع الحوار الوطني اليمني ٢٠١٣ الذي سمح لهادي بخلافة صالح، لكن في ٢٠١٤ انقلب الحوثيون بدعم طهران على السلطة الشرعية واحتلوا العاصمة صنعاء، ما دفع السعودية للتدخل نصرة للشرعية بقيادة أكبر تحالف عسكري في الشرق الأوسط. ولكن في ٢٠١٥ دعم أوباما بشكل مباشر الحرب في اليمن، إذ أمر القوات الأمريكية بتزويد التحالف بدعم استخباراتي ولوجستي في العملية العسكرية، وأكمل ذلك ترمب في ٢٠١٧ إلى ٢٠٢١، لكن بعد إعلان ترشحه لفترة رئاسية ثانية، وإعلان الحزب الديمقراطي فوز بايدن بالترشيح الديمقراطي صرح جو بايدن أنه سيوقف دعم أمريكا للسعودية في حرب اليمن، وعندما فاز بايدن في نوفمبر ٢٠٢٠، أعلن عن سحب تصنيف الحوثي جماعة إرهابية ولكن أبقى تصنيف القادة، والعقوبات كذلك، وصمت بايدن كثيرا محاولات إيران البائسة في زعزعة أمن المنطقة من خلال الهجمات الإرهابية على اليمن والسعودية والعراق، ووفقا لرويترز، وجين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض فإن إدارة بايدن لن تسحب العقوبات الأممية (سناب باك) عن إيران ولن يتم سحب تلك العقوبات إلا في حال التزام إيران بالاتفاق الجديد. سياسة الإدارة الحالية الخارجية تميل للمدرسة الكلاسيكية وهذا ما صنفه ممدوح المهيني في مقالة له في صحيفة الشرق الأوسط، إذ ذكر أن بايدن يميل لتلك المدرسة التي تدعم تطوير العلاقات بين الحلفاء في السياسة الخارجية وكذلك تدعم تلك المدرسة الحلول الدبلوماسية كحل أساسي على الطاولة.‏أخيرا، يقول الداهية السياسي رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل «في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة».

الأحداث العربية 2011

رفضت المملكة رفضا تاما وأدانت باشد العبارات الأحداث التي حلت بالمنطقة في زمن الثورات والتدخلات الأجنبية التي ضربت استقرار الدول العربية، وبعد إعلان أوباما إلغاء الغارات الجوية الأمريكية على النظام السوري توترت العلاقات، وزادت أكثر فأكثر بمجاملة إدارة أوباما ملف إيران النووي، وملفات التدخل في شؤون الدول والهجمات الإرهابية، ولكن بعد ذلك التوتر، زار أوباما الرياض بهدف التخفيف من القلق الشديد إزاء العلاقات الأمريكية-الإيرانية، فالدولتان تختلفان كثيرا، لكن المصالح المشتركة بينهما أكبر من أن تحدث فجوة في العلاقة الاستراتيجية التاريخية.