1 - يَمُرُّون

يَمرُّون إلى وُجُوههم، يُغالبون ثِيابَهم وجُلُودَهم ويمرّون، ليس مِن شمسٍ فصيحةٍ ولا قمرٍ يَحُطُّ على الأكتافِ ويجعلُ نُدوبَها واضحةً، غيرَ أنهم يَحمِلونَ عُيونَهم ويَتشبَّثونَ بها لِئلّا تَسقطَ مِنهُم، فقدْ سقطتْ أشياء كثيرةٌ ولا سَبيلَ إلى قِراءتِها أو إنْشادِها يَومَ يمرون، وُجْهَتهُم ما اِدّخروهُ مِن نَظراتٍ لِمُرورٍ مُرٍّ كهذا، وأُغنِيتُهم فأسٌ لامعةٌ يَقطَعون بِها حِبالاً غَليظةً تَحزُّ حتى أَصْواتَهم، يُفَتِّتون بها حَجرَ ندمٍ لَم يَتَوقّعوا يوماً جَسامتَهُ ويَمُرُّون.

2 - خُطى تكحتُ العظامَ

ظَننّا أنّنا أَحْكمنا كُلَّ أبوابِ ونوافذِ الوقتِ، وما كانَ مُتوَقّعاً أبداً أنه سَيحفُرُ له ممرّاً واسعاً في الأعمارِ، بِكلِّ يقينٍ حَسبْنا أنّ لِجامَهُ في أَيدينا وما دارَ في بالنا أنه يَجمحُ ويتركُ حَدْواتَه اِسماً لِأجسادِنا، يترُكُها رَسماً واضحاً لِمن أرادَ أنْ يَظُنَّ..

تُرَى كَيف ذَهبَ بِنا الظنُّ حَدَّ أننا تَركْنا وُجوهَنا وجلودَنا وقلوبَنا في العراءِ وقُلنا لا عَلَيْها، كيف لم نَسمعْ خُطى الوقتِ وهيَ تكحتُ في العظامِ، كيف كُنّا هكذا جَهلةً وأُمِّيين حِيالَ رائحةِ فَروتِهِ فلَمْ نَقرأها ولم نَقرأ سطراً واحداً حتى مِن كِتابِ خَطمِه؛

فَلْنعوِ الآن ما طابَ لنا العُواءُ،

ولْنَعوِ عُواءَ المَبقُورِين مِن شِمالٍ ومن يَمِين.

3 - هذا يكفي

لَم تَسعْهم أصواتُهم، وَرأَوا أنّ نَبراتُهم قد ضاقتْ عليهم، تَنبّهُوا أنْ لَم تَبقَ لهم حشرجةٌ أو حتى بُحّة، والصراخُ الذي وضعوا فيه ما يلزمُهُم من الضّجرِ والسّأمِ والتّبرُّمِ والتي ألفوها أشياء ضروريةً ولا بُدّ مِنها لِصُنعِ رتاجٍ صلبٍ لِلأجفانِ، لَم تعدْ بهِ فُسحةٌ، تَخلّوا عن أشياء رَأوا أنّها زائدةٌ وَسَتُضيّقُ عليهم حتى هَمسَهُم، هكذا اِتّجهُوا بِكلّ هُدوءٍ صَوبَ صَمتِهم مُردِّدِين: هذا يَكْفِي هذا يكْفي.. يَكْفِي.