أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/238.jpg&w=220&q=100&f=webp

عبده خال

ارتفع الصرح عالياً   

الرفعة والقوة والسمو، هي صفات كاسية عن كل عيب رغب فيه الشائن الحط ممن يتمتع بتلك الصفات الرفيعة.

وأدبنا ماضياً وحاضراً يعلي تلك الصفات، (فالأعشى قال في تطاول اللئام على الكرام:

كناطحِ صخرةٍ يوماً ليُوهِنَها

‏فلم يَضِرْها، وأوْهى قَرنَه الوَعِلُ. وقال أيضاً الحسين بن حُميد:

يا ناطحَ الجبلِ العالي ليُوهِنَهُ

‏أشفِقْ على الرأسِ، لا تُشفِقْ على الجبلِ. وقيل نثراً: لا يضرُّ السحابَ نبحُ الكلاب، ولن يَضيرَ السماءَ نقيقُ الضفادع.

والبحث عن علو هذه الصفات لن يعجز الباحث عن وجودها في كل الآداب العالمية.

وفي كل يوم يبزغ لنا شأننا بما يتحقق لبلادنا من تطور وإنجاز عالمي، وأن فخرنا بجملة الإنجازات يؤكد على إسراعنا نحو المقدمة بالمواصلة الدائبة لتحديد موقعنا في القمة، ولا يعنينا ما تخرجه الأفواه من بذاءة أو محاولة الحط من إنجازاتنا بترديد: كانوا.. يعنينا تريد: أين أصبحوا..

وحتى وإن كنا، فماهية وجودنا هي نفس الخصال، ماضياً وحاضراً.

والمفاخرة ليست بالماضي وإنما بما أنت عليه الآن، وإن كان لك وجود مشرف ماضوي.

فلتكف الألسن المعوجة عن هذيانها الأعجمي، فنحن نكتب بلسان عربي فصيح مبين.

ولفصحاتنا أدلة مشعة في كل شؤون الحياة، نحن وطن استوطن النجاح، وأدلتنا على ذلك أننا أصبح لنا مقعد عالمي (ضمن دول الـ20).

وزيارة ولي العهد لواشنطن أكدت وسائل العالم أن استقباله كان من أفخم الاستقبالات، وإنجازه لبلاده من أضخم الاتفاقات الدولية التي ستعود للسعودية بنتائج مستقبلية سوف ترفع من مكانة البلاد ارتفاعاً يضاهي الدول الكبيرة إنجازاً ورفعة.

وها هي الأيام، والأحداث تؤكد علو كعبنا في كل المجالات.

فليتركنا كل شائن، وليفاخر بنا كل محب.

فالحياة تحني هامتها لمن رفع بنيانها.

00:10 | 2-12-2025

أدب «الفسيخ»!

اعتبرت الأستاذة الدكتورة نورة القحطاني أننا نعيش في زمن عجائب الكتابة فقد تحول الأدنى إلى مقياس لجودة الكتابة، ضاربةً مثلاً بكاتبة لم تكتب في حياتها إلا عملاً روائياً يتيماً، لم تسلم تلك الرواية من ضعف فني (فضيع)، فتتحول تلك الكاتبة مدربة في ورشة تدريبية لكتابة الرواية!

فأي جهة تنظيمية تقبل بهذا، إلا أن كانت الجهة المنظمة أدنى فهما في تقديم المدربين لتعليم النشء فنون كتابة الرواية، وهذا ما يحدث في ورش التدريب، فالمدرب أقل مستوى فهما وإبداعا عما يدرب..

حضرت ورشة تدريبية، كانت المدربة تشرح للحضور فنية الكتابة متخذة من كتاباتها نموذجا للتطبيق عليها عن فنية الكتابة، وكانت كتابتها ضعيفة جدا، فهل مهمة المدرب تقديم نفسه من خلال (هزال) تجربته الكتابية لإخراج متدربين أكثر هزالا من المدرب نفسه؟

عملت سنوات طويلة في القسم الثقافي بجريدة عكاظ وقد أسند إلىّ تقويم مشاركات القراء، ومع الأيام أنشأت صفحة (أقلام) مهمتها تقديم التجارب الفنية للشباب، كانت تصل مشاركات كثيرة، لا ينشر منها إلا من حقق الحد الأدنى من جماليات الكتابة سواءً في القصة أو المقالة النقدية، وقد أخرجت تلك الصفحة أسماء أدبية عديدة، مضوا في تقوية تجاربهم حتى أصبحوا أسماء أدبية يشار لها بالبنان..

والذي أريد قوله إن وسيلة النشر عبر الصفحات الثقافية كان (جواز) عبور للكاتب الشاب، فالصفحات الثقافية لا تقدم تجارب هزيلة، فما يصلها من رسائل تنشر الجيد منها، وترد على صاحب التجربة الضعيفة برد محترم بأن عليه تكثيف القراءة والمحاولة مرة أخرى.. ومع ظهور المنتديات لم يعد هناك من يقيّم تلك المشاركات، وأصبح الكل ينشر، ويجد من الثناء ما يجعله كاتبا بارزا، ويغدو على ذلك الكاتب مفردات مثل (رائع-أحسنت- صح لسانك- أجدت)، وفي الحقيقة أن ما تم الإشادة به لا يعدو من كونه نصا متهافتا لا يصل إلى الحد الأدنى من جمالات الكتابة، وهذه المنتديات فاضت علينا بالمواهب الضعيفة، وشاركت في هذا الطوفان دور النشر التي لا تمتلك ضمير جدة المشارك في بث الثقافة الجادة، وأصبح من يمتلك ألف دولار قادراً على نشر الغثاء السقيم لكي يحظى بلقب كاتب أو قاص أو روائي!

وأنا ما زلت متحفظاً على فكرة تدريب الشاب لأن يكون كاتب قصة أو رواية أو شعر، فالتدريب لا يخلق موهوباً، لكتابة موهبة قبل أن تكون تدريباً، ومن ليس لديه موهبة لن يستطيع كتابة أدب حقيقي.

مرة أخرى، تدني مستوى مخرجات الأدب في السنوات الأخيرة حينما تم اعتماد أفكار التدريب الكتابي، وورشات الكتابة بسبب ضعف المدرب، وأن من يتدرب ليس لديه موهبة في الأساس.

00:08 | 30-11-2025

السعودية مكانٌ عبقري

لا يمكن المزايدة على مقولة الدكتور جمال حمدان بأن عبقرية المكان تخصّ السعودية دون سواها من الأماكن، وليس في ذلك غضاضة إن أردنا المقارنة، فإن سبق الدكتور جمال حمدان بصك مصطلح «عبقرية المكان» سبق لغوي، وليس جغرافياً بالمعنى الدقيق، فالسعودية قارة جاءت جغرافيتها في قلب العالم.

وكانت مجاورة للحضارات القديمة، وبعض تلك الحضارات أصبحت ضمن أراضيها في الخارطة الجغرافية والسياسية، كما أن مكة المكرمة هي مركزية الأرض (حتى إن قيل إن هذا المفهوم مفهوم ديني)، إلا أنني استخدم مصطلح عبقرية المكان وفق ما ذهب إليه بعض الأدباء والاستراتيجيين الذين تخصصوا في الجغرافيا السياسية، وهي مقاربة أرى فيها موقع السعودية.

وربما أقتفي (ميشيل بوتور) الذي وظّف هذا المصطلح في الجانب الروائي كما أفعل في رواياتي حين أحول المكان إلى بطل بين الشخصيات والأحداث.

والأمكنة تمثّل دوراً فاعلاً نشطاً في مسيرة الأحداث، والسعودية مكان نشط عبر التاريخ، وهذا ما يجعل مكانها عبقريّاً وليس هامشيّاً.

وإن أردنا الانحياز إلى مفهوم التمكين، وتكريس عظمة المكان، فالسعودية تصنع ذلك من خلال الاستراتيجية السياسية الآن.

وإن كان المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي قد اتخذ المكان مدخلاً وفق العقائد والحضارات والثقافات، فيمكن القول إن السعودية كانت المحطة الأخيرة لتلك العقائد من خلال المفهوم الإسلامي الذي احتوى تلك الرسالات كرسالة أخيرة جامعة لما سبق من عقائد.

وعلى مستوى العمق التاريخي فمكة تمثّل ذلك العمق، فهي أول بيت وضع للناس، وهو بيت قصده كل الأنبياء، وكل الأعراق..

إذاً، ما كتبته هنا خاضع لمفهومي للمكان وعظمته، فالعظمة استمرارية في رفعة المكان، والاستمرارية تبدأ من نقطة البدء إلى آخر نقطة في التواجد البشري.

00:05 | 23-11-2025

لا تترك قلبك وحيداً..

كم من عزيزٍ فارقنا، أو فارقناه؟

في جعبة كلٍّ منا عشرات الشخصيات التي لم نكن نتصور أن الزمن يستطيع قرض السنوات التي أوثقت رباطها بيننا..

نعم الحياة رحيل، ترحل أنت، أو يرحل هو.

والمؤلم أن يكون الرحيل في الحياة الدنيا، قلة من يحاول معرفة أسباب الرحيل لكي يزيل مسببات الفرقة، أو الانقطاع، ويصل منقطعاً.

وقلة من يستجيب للوصل، والكثرة تجذبهم تجاويف الحياة، ومشاغلها فيجمد لحظات الزمن في نقطة القطع.

وثمة مثل شعبي تهامي ينص على أن الأخوة هي أخوة الدنيا (أخويه في الدنيا وفي الآخرة يا بخت تلقاني).. وتقطُّع روابط الود والمحبة بحاجة إلى إعادة مد الحبال وربط المقطوع، ومسؤولية الإنسان الحقيقي أن لا يكون فرداً.

الفردانية صفة إلاهية، فلا يحق للإنسان أن يكون فرداً.

والذي يصيبني بالأسف، والحسرة، كثافة المقطوع من العلاقات الإنسانية، وأياً كان السبب، ما دام باستطاعتك ربط منقطع، سارع بالوصل، فالحياة الدنيا سريعة التخلى، والانقلاب.

ولأن الحياة هي ارتحال، فكم من شخص عزيز ارتحل إلى الضفة الأخرى.. كم؟

كل يوم أسمع أن عزيزاً أخلى مكانه، والتحف بالتراب، وغدا بعيداً، بعيداً جداً عن الوصل، والتواصل، وسبب حسرتي أني لم أوصل علاقتي بمن هو حي، أحبتي كثر، وكل واحد منهم أحبه من على بعد، وكان بالإمكان إجراء مكالمة فقط كي أبلغه مقدار حبي له، فأي مشاغل تقطعنا؟ وأي جفاف يسكننا؟.. بالأمس مات رؤوف مسعد، وهو آخر الراحلين الذين أحبهم، سنوات ولم أجر اتصالاً به، وعندما سمعت بموته لم تعد الحسرة أو الأسف قادرين على إيصال حي بميت.

وإذا كانت الحياة ارتحالاً، امسك بالحي وأوصل مشاعرك إليه قبل أن يترجل أحدكما من على صهوة هذه الحياة.

00:30 | 2-11-2025

لا رجب، ولا عجب.. هيا كذا

ما الذي يحدث؟

سؤال يتسع ويجوب كل الديار حين يجول وميض الفلاشات بين وجوه الفاشينيستات المتصدرات لافتتاح صرح طبي.

وما نشرته صحيفة «عكاظ»، كتقرير لما حدث في ذلك الصرح الطبي من إسفاف، وما قاله الناس في مواقع التواصل عن ذلك التجاوز للرسالة الطبية الإنسانية لن يغلق الأفواه المستغربة لما حدث.. وأصبح علينا فتح أفواهنا جميعاً وصفق اليد باليد.

والسؤال هنا ليس استنكارياً وإنما استيضاح، هل سلك الإعلان الترويجي كل الحدود لتصبح أهم المنشآت الصحية الإنسانية ميّالة إلى جذب الزبائن من خلال الوجوه النسائية ( الفاشينيستات)، كجهة ذات مصداقية عالية لحسن خدمات تلك المنشأة؟

أصبح علينا، وفي كل حدث مستغرب أن نقول، إن زمن السلم المقلوب يتجسد من خلال هؤلاء المشاهير، وكلما قلنا إن محاولة القضاء على هذه الظاهرة لن تكون ذات جدوى ما لم يقرر المجتمع إرخاصهم بعدم متابعتهم، فهم يسوقون الإسفاف من خلال عدد المتابعين لهم، وكلما انحصر عنهم عدد المتابعين دنت شهرتهم، فهل نُوقع اللوم علينا كوننا قمنا بتسمينهم للحد الذي جعل الفرد منهم متأكداً أن عليه التسويق للهايفة، كواجب يُشكر عليه..

وأحياناً تستعيد توازنك لما تطالب به، كون جهات ذات ثقل اجتماعي تستعين بمثل هؤلاء المشاهير لترويج ما تنتجه من خدمات؛ لأن الجميع اعترف بهؤلاء حالةً ترويجيةً ضروريةً.. تستعيد توازنك وتستطيب خاطرك أنك أشبه بمن يصارع طواحين الهواء، ومن الفطنة ألا تفعل ذلك، وليس أمامك إلا المشاهدة والتأكد من أن شهر رجب لم يعد جالباً للعجب.

وأجد نفسي أنهي هذا المقال بجزء من تغريدة حبيبنا الدكتور حمود أبو طالب حين قال:

حين يختلط «الأبيض» الطبي بألوان «الفلاتر»، ينهار الخط الفاصل بين العلاج والاستعراض، وتصبح الإنسانية نفسها بحاجة إلى إنعاش.

00:04 | 30-10-2025

عيد ميلاد سعيد

يقول ماركيز في رائعته (الحب في زمن الكوليرا):

(إن هذا الحب في كل زمان، وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت).

ولإيماني أن الحب يجُب الموت، فهذا العنصر خلق من رحمه كل الأكوان، مثله مثل الطاقة التي لا تنفد ولا تستهلك، هو موجة بدأت من الخلق الأول ومستمرة في تموجات الصعود والهبوط إلى مستقر الخلود، وبين صعودها وهبوطها تتوالد مشاعر الحب في كل نقطة زمنية. ولا يمكن للموت إلغاء الحب.

فهل أتجرأ لمناقضة مقولة ماركيز للتأكيد أن الحب وعاء عميق يجمع الموت والحياة معاً في كل الأزمان، ويحضر الحب غزيراً أو ضحلاً قبل وبعد الموت، قد تكون الكثافة هي المتغيرة.

وماركيز رقص في روايته على نغمة (الحب الغلاب)، تفتقت ذهنيته للعب راقصاً، مع ممارسة الكذب ليمتد عنصر الحب وزمنه في رواية (الحب في زمن الكوليرا)، وكأنه يقوض قدم الزمن من غير الحاجة إلى رعب الموت في قلبي عاشقين فرطا في الأيام حتى إذا التقيا كان لا بد فرط الوقت لينعما بتقاربهما، مارس اللعبة أو الكذب الروائي لكي يخلي المكان لتكثيف عنصر الحب لصد الموت/الوباء، كذبة صغيرة أو شق صغير في جدار الزمن لاسترجاع السنوات الهاربة حتى يتمدد الحب ويغدو محيطاً، أحدث لعبة سردية ذكية لتثبيت زمن انتصار الحب، ولكي يبقى مع عشيقته مبحراً في السفينة النهرية استشعر أن المحيطين بهما من ركاب تكاد أنفاسهم تخنق لحظة عاشقين، يحتاج كل منهما لأي وسيلة للإطباق على عيون من يترصد حركاتهما وسكناتهما، وماركيز كذب كذبة سردية أطالت الحب في زمن الكوليرا، فنفث بين ركاب السفينة أن وباء فتاكاً على ظهر السفينة، وما أن جرى بينهم هذا الخبر حتى هاجت الأجساد وتسارعت النبضات على قرع فزع مميت، ولأنها كذبة عاشق تضخمت وانتقل الرعب للدول، فلم تقبل الموانئ رسو السفينة الموبوءة.

- الحب هو من يخترق فهو ضد صلادة الموت، بينما الحيل تغدو ملعباً جيداً للعشاق لفرط الوقت ليستمتعا بكل لحظة..

هل هذا ما يحدث في الواقع.. أم أننا نستند على مقولة (لا يحدث هذا إلا في الروايات)؟

الإنسان في تركيبته النفسية كل ما يخشاه هو الموت، يعبر الحياة وأي تهديد لحياته يكف عن اقتراف ما يقربه من النهاية، يعلم أنه سوف يصل إلى النقطة التي ليس بعدها من سطر جديد.. ويعلم أن كل ما حوله أوبئة لكن الوباء القاتل لا يريد أن يطرأ على باله ولو على شكل وميض، يجاهد المرء على نسيان لحظة انقطاع أنفاسه، والمحبان يخترقان هذا الرعب بأمنية تلازمهما كل لحظة حتى عند الموت.

إن جدلية الحب والموت يمكن صيغتها في مشاهد مؤلمة وخاصة في الأفلام العربية القديمة، ولأن تلك الأفلام تم بثها في زمن الرومانسية، كان الحب غلاباً دوماً بحيث تنتهي المشاهد على انتصار الحب.

ويبدو أن كل فترة زمنية تستوجب إعادة مشاعر الرومانسية لكي يتغلب الناس على فجاجة الواقع، الواقع يصبح فجاً إن لم تكن هناك مشاعر رومانسية تمكن الإنسان أن يعيش مطمئناً حتى لو كان ذلك الاطمئنان وهماً.

وبمناسبة خلق هذا الوهم يمكن ترديد:- عيد ميلاد سعيد.

00:12 | 28-10-2025

من يقيم الميزان الأصوب ؟

التفاهة، والجدة حدان تتقلب بينهما حياة الناس.

ولكل منهما ظهور وفق الأمزجة، والغالب يرتهن لظرفية الحالة الثقافية للمجتمع.

في زمنية سابقة كانت التفاهات تتوارى وتكتفي بوجودها ضمن الأنشطة التافهة التي تتقصدها فئات محدودة من الناس لا تدعي أنها تمتلك أي نوع من أنواع التميز، بل تعرف وتعترف أن نشاطها قائم على تمثيل البساطة ظاهراً وعمقاً، ولم تسع إلى تصدر المشهد العام، واكتفت بالانزواء، فما الذي حدث لكي تتسنم التفاهة المشهد، ويصبح لزاماً مواجهة تلك التفاهات مباشرة؟ وقبل الإجابة يجب القول، إن الجدة كانت السمة الرئيسة لكل فرد يبحث عن الرفعة، فالحياة لا تمنح الرفعة لأي طالب لها ما لم يحقق شرطية التميز من خلال ثقافة جادة، إذ كان ميزان الرفعة والانخفاض بما يقدمه الفرد أو الجماعة من أعمال تثمن قيمتها بما درج عليه الناس من استحسان، ويقاس الاستحسان بالإقبال على استخدام ما تم تواجده على سطح الواقع كميزة رفعة.

وفي كل الحالات تتواجد التفاهة والجدة، والمسوق لهما نحن.

ولو وضعنا سؤالاً: لماذا يتم استهلاك التفاهة بكثافة هذه الأيام، فإن الإجابة سوف تشير إلى أن المسوقين لها بالكثرة الكاثرة عما كان عليه الناس سابقاً، فهل يتم اتهام الناس بأن ميلهم إلى استهلاك التفاهة هو الذي أدى إلى بسط ثقافة التفاهة.

ولو توقفنا، وسألنا أصحاب الجدة أو أننا اتهمناهم بأنكم أنتم من سمح للتفاهة بالتغلب على المضامين الثقافية الجادة لكون مضامينكم لم تتغلغل في المجتمع بحيث تحيل الفرد إلى عاصم يفرض، ولا يجيز للتفاهة أن تسود.

وفي هذا الاتهام تغييب لما طرأ على حياة الناس من متغيرات جبارة، اتخذت من سياسة الاستهلاك أداة ترويج عالمية، مستخدمة أدوات التسويق سلاحاً في تمدد كل ما هو تافه على أنه هو التميز في حد ذاته، أي أن التفاهة حصلت على أسلحة لا يمكن مقاومتها من الجانب الآخر، ولأن القوي غالباً هو الذي يبسط قواعد الذائقة، ولا غرابة أن يصبح العميق متنحياً والتافه سائداً.

والحل الأمثل لمن يتباكى على تنحي الثقافة الجادة أن يظل متمسكاً بها، والعمل على إنعاشها في ما تبقى له من دور في هذه الحياة، وبهذا يكون مناضلاً ضد التفاهة، وإن رأيت مستنيراً ومناضلاً لبقاء الجودة والتميز قد سقط، وأخذ ينافح من أجل منح الهيافة مساحة أرحب في التمدد، فلا تبتئس فالحياة تقبل بك وبه على ميزان جديد له كفتان ترجح زمن التفاهات على زمن الجدة والتميز الثقافي.

وهناك حكم لا يخيب حكمه، فلو تم الارتهان إلى قاعدة السوق (العرض والطلب) ما بين ما يبث من ثقافة تافهة، وبين ثقافة ذات محتوى جيد فإن غلب أحدهما على الآخر على الطرف المتضرر القبول، والعمل على تغيير قاعدة العرض والطلب بما يحقق استهلاك أحدهما على الآخر.

00:06 | 27-10-2025

مين عذبك بتخلص مني!

هل بالإمكان أن يعطّل شخص ما موهبةً فذة، ويمنعها من الظهور؟

هذا السؤال أعلّقه على ردهات الفن الغنائي تحديداً.. فموروث الذاكرة الغنائية يحتفظ بقصصٍ عديدةٍ بأن فنانة أو فناناً عطّل مواهب عديدة عاصرته خشية من أن يتفوق عليه أحدهم.

وجلّ المتابعين للفن الغنائي يحمل حكايات وحكايات في هذا الجانب، ومع مرور الزمن تتكشّف الحقائق أن كل ما قيل ليس صحيحاً.

والمتابعون هم من يصيغون تلك الحكايات، ومع ترديدها تتحوّل إلى حقيقة في أذهان الناس، فمثلاً كثير من الناس ترسّخ في بالهم أن المطربة أسمهان أودت بحياتها حادثة مرورية مدبّرة، وأن أم كلثوم هي من دبّرت تلك الحادثة، ومضت السنون وذلك الوهم ساكن في ذاكرة الناس.. وسمعنا، وقرأنا قصص العداء المبطن ما بين عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، وأن حليم وضع السلم بالعرض لكي يمنع فريد من الظهور، وأنه حاول اعتراض طريق هاني شاكر، وقرأنا العدائية بين الفنانات، وأن كلّاً منهن تتربص بالأخرى؛ لكي تمنعها من الظهور والنجاح (ولو بسطنا حكايات العداء المحكي بين: فايزة أحمد، ووردة الجزائرية، ونجاة الصغيرة، وشادية، فلن تنتهي الحكايات)، هي حكايات ليس لها أي تأكيد في حقيقة الواقع، فمن ذكرتهم، ظهروا ونجحوا، وخلّدوا أعمالاً عظيمة، ولو أنهم استسلموا لشعورهم بالمظلومية لما غنّى أي منهم، ولما قدّم أي منهم أعمالاً خالدة.

هذا الأيام ارتجت منصة (x) بأقاويل عن ثمة قوى عملت على تعطيل أو محاربة أسماء فنية من مواصلة فنها!

وهي تهمة تبرر تقاعس من لم يواصل الجهد والتحدي في تقديم فنه، فالنجاح ليس أن تُعرف، بل في مواصلة الجهد في أن تظل ناجحاً.

والشعور بالمظلومية لا يحقّق نجاحاً، فذاك الشعور يثبط عزيمة البحث عن طرق النجاح، ويجعل الطريق مغلقاً دائماً لمن لديه ذلك الشعور.

ألا يقال إن النجاح هو المحافظة على القمّة، ومن لديه أعذار في عدم مواصلة النجاح فليُرِحْ نفسه، وليُرِحْ الناس من شكواه.

01:12 | 22-10-2025

ملتقى السرد بالكويت..!

أي ملتقى أو مهرجان تكون اللقاءات بين المدعوين ذات عمق نفسي محبب، يؤثر فيهم، وتخلق الألفة بينهم، فالثقافة هي وعاء يجمع المختلفين والمتفقين، في لقاءات خارج الندوات الرئيسة.
وأي مثقف، مهما اختلف، سيجد في الحوار نوافذ نور لتجارب المختلفين معه، فالحوار عمود خيمة لمن يقتعد في فيء تلك الخيمة، فقط أن لا يكون هناك رفض سابق لعملية القراءة أو الحوار.
كنت حاضراً في ملتقى السرد الذي نظّمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، كفاتحة تسبق إعلان دولة الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لهذا العام.
شارك في المنتدى نخبة من الأدباء والنقاد والمفكرين من دولة الكويت والدول العربية، وغالباً تكون اللقاءات الهامشية (خارج الندوات الرئيسية ) ذات عمق فعلي في تقارب الآراء والأفكار، وتصويب الاختلاف إن وجد.
وسعدت كثيراً بالالتقاء مع مجموعة كبيرة من المبدعين الشباب في الرواية والقصة والنقد، وتناقشنا كثيراً حول الماهية لكل فن، أو تشذراته.
وجدت إنتاجاً إبداعياً يستوجب الإشارة الى منتجيه من الجنسين، ويبدو أن ثمة تحسساً بين الأجيال المتتابعة في إنتاج السرد بالعموم، في حين أن الإبداع لا يصد أو لا يتم التعالي عليه، فالفنُّ فنٌّ سواء كان قديماً أو حديثاً، وإن كانت هناك نزعة الظهور فهذا حق مكفول لمجموعة الشباب، إلا أن تلك النزعة مقيدة بجودة ما يتم إنتاجه حتى وإن كانت هناك فرصة التجديد، فالتجديد منضبط بمقدرة الكاتب على فهم السابق وإجادته.. والذي لاحظته تسيب المصطلحات، وإن لم يكن هناك تحرير للمصطلح فسوف يتم اختلاط المفاهيم، وتسمية ظاهرة كتابية بمصطلح جديد بينما تكون تلك الظاهرة الكتابية موجودة من زمن بعيد، والذي طرأ على الشباب تسميتها بمسمى جديد.
متيقّن أن هناك أدباً رائعاً، وكُتَّاباً أكثر روعة مما يكتبونه، ويمكن الإشارة إلى أن رغبة الظهور يمكن لها تكسير المجاديف، وطبيعة الظهور تقوم على جودة الإنتاج، والتريث في بناء التجربة لكي يكون الظهور لائقاً.
أخيراً، حصلت على كتب عدة في السرد لمجموعة شباب وشابات، سأحرص على الإشارة لما يروق لي كذائقة خاصة بي، وإن كانت هناك من قفلة لهذا المقال فهي الشكر، الشكر العميق للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت؛ لإقامة هذا الملتقى الزَّخِم في ندواته والمواضيع التي تمّت مناقشتها، والشباب الذين تم تقديمهم.
00:11 | 20-10-2025

ما الذي تفعله الصورة بنا؟

حسناً، نحن نعيش في زمن الصورة، كنت حاضراً محاضرة للفنان الفوتوغرافي عيسى إبراهيم تحت عنوان: السرد في الصورة الفوتوغرافية: ذاكرة عين، حدث ذلك في ملتقى السرد بمدينة الكويت ضمن أنشطة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.. عرض فيها الفنان عيسى العديد من الصور المتنوعة في موضوعاتها ومضامينها، صور لافتة ومدهشة فنياً..
وأثناء العرض حدثت تبادلية حوار ما بين البصري والسردي من قبل الحضور، وكان يجاورني الصديق الروائي المبدع طالب الرفاعي، فألقيت سؤالاً مشترطاً إجابته من قبل المصور الفنان عيسى إبراهيم، ومن المبدع طالب الرفاعي، على فرضية وجود صورة لافتة هل يستطيع الروائي أن يكتبها رواية، وهل يستطيع المصور أن يرسم رواية لطالب الرفاعي تحمل التفاصيل السردية المكتوبة؟
هو سؤال يمتد كربل بلاستيكي، وإن كنت عارفاً بحدوث ذلك إلا أن زحمة الأسئلة، ومحدودية زمن المحاضرة فوّت علينا سماع الرأيين (الكاتب والمصور).. وكنت راغباً بذكر قصة الصورة معي أثناء سرد رواية، وتحديداً صورة العجوز مسعدة في رواية الطين.. كانت الشخصية مختزنة في داخلي بفعالها وحكاياتها، وكانت صورتها غائمة في ذهني، وفي إحدى المجلات وجدت صورة لامرأة شمطاء أكل الدهر منها أكلاً شهياً ولم يبقَ منها إلا ملامح تشي بجمال غرب خلف تجاعيد سعت كطابور نمل تعرج في وجهها وسافر إلى عروق رقبتها بدأب متواصل، صورة تعمّق خيال السارد ليقول ما الذي تفعله السنون من تغيرات صادمة، وعلى السارد أن يتعمق في شرح حكايتها..
ظلت صورة هذه المرأة العجوز تنظر إليّ من خلف زجاج المكتب، يفيض وجهها بالابتسامات المواربة، من عينين ضيقتين، وفم فاتر الابتسامة، وربطة رأس فضحت شيب رأسها الأبيض كندف القطن الباقي من غير حصد، وعظام الترقوة بارزة كسارية تلقت ضربات فؤوس كثيرة.
وكلما كتبت عن العجوز مسعدة أرى الصورة تضحك من خلف زجاج المكتب مهونة أو مستخفة بما أكتب عن امرأة متخيلة، وهي امرأة حاضرة بصورتها.. تذكرت هذا، وأنا أشاهد صوراً التقطها الفنان عيسى لنساء عديدات في حالات مختلفة، هو صورها واكتفى بذلك، الصور التي شاهدناها، صور لم يكترث المصور بعينها، بمشاعرها الداخلية أو تاريخها الإنساني، أو مصاعبها اليومية، أو ظرفها المعيشي، أو ما الذي يبكيها أو يضحكها.. نعم كانت الصور التي عرضها صوراً جمة، والذي يشاهد تلك الصور وهو الذي يخلق الحكاية، يحس بما تكابده الشخصية من خلال الصورة، فمن هو صانع السردية الصورة أم المشاهد؟
وكنت راغبا التعريج على رواية ( دوخي.. تقاسيم الصبا) لطالب الرفاعي التي جاء غلافها متصدراً صورة الفنان عوض الدوخي الفنان الكويتي الكبير، فهل كانت الصورة هي السرد أم ما كتبه طالب عن صاحب الصورة هو السرد وتقاسيم الحياة على كاتب السرد وليس الصورة؟
مؤمن أن كل شيء حولنا وبيننا وفينا هو حالة سردية ممتدة، فمن الصانع لتلك الحالة، هل هي الصورة، أم ما نقوله من كلمات أم ما نتخيله لما نرى؟ إن مغارة السرد أشبه بالثقب الأسود يبتلع كل حكاياتنا ولا يظهر العمق المختبئ فينا حين يتم التهامه على عجل أو على أعمارنا الذاهبة في الزمن.. السرد حالة تبادلية بين الموت والحياة.
01:31 | 15-10-2025