أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/authors/225.jpg?v=1764231772&w=220&q=100&f=webp

حمود أبو طالب

رفقاً بوطنكم يا «أهلنا في اليمن»

بعد التصعيد الأخير والخطير للمجلس الانتقالي، كان الكل ينتظر كلمة المملكة، وموقفها الرسمي العلني مما يحدث. شرّقت بعض التكهنات وغرّبت ممن لا يعرفون جيداً طبيعة تعامل المملكة مع الأحداث، لا سيما عندما تكون على تماس مع أمنها الوطني، واستقرار جوارها. المملكة كانت حاضرة منذ اللحظة الأولى، تعمل بدأب على إعادة الأمور إلى نصابها، واحتواء الموقف بالتفاهم مع الانتقالي وكل الأطراف. بل إنها، وكما يعرف العالم وأولهم الأشقاء في اليمن، حضرت بكل قوة في عاصفة الحزم لمنع تفتيت اليمن واختطاف حلم مواطنيه بالاستقرار تحت مظلة دولة معترف بها من دول ومنظمات العالم، ثم واصلت حضورها عبر إعادة الأمل من خلال المشروع الضخم المستمر لبرنامج تنمية وإعادة إعمار اليمن، وما زالت تبذل كل ما في وسعها وتسخر كل إمكاناتها لتجنيب اليمن مآلات لا تحمد عقباها.

وقد جاءت رسالة وزير الدفاع سمو الأمير خالد بن سلمان التي كان عنوانها «إلى أهلنا في اليمن»، محملةً بكل معاني الحرص على استقرار اليمن، والدعوة إلى تغليب العقل والحكمة والمصلحة اليمنية، لتكون فوق كل الاعتبارات، وأهم من كل الخلافات التي يمكن تجاوزها في إطار اليمن الواحد، وبذلك تؤكد المملكة أنها دائماً مع اليمن، وشعبه الذي يعاني أشد المعاناة منذ أكثر من عقد من الزمن، وأصبحت الأخطار الحقيقية تحيط به من كل جهة.

مشاريع الانفصال والتشرذم هي الخطر الأكبر الذي يهدد المنطقة الآن، وأي قيادات في أي وطن عربي تتحمل مسؤولية جسيمة أمام الشعوب وأمام التأريخ، إن هي سمحت بتنفيذ هذا المخطط المدمر الذي يتمناه ويحلم به أعداء الوطن العربي، ويجب أن يعتبر الجميع بدخول إسرائيل مؤخراً على خط الأزمات باعترافها بأرض الصومال كي تضع قدمها في منطقة إستراتيجية، ولتكون مدخلاً إلى غيرها، كما تحلم، عندما تعم الفوضى وتتشرذم البلدان وتغيب الدولة الوطنية الموحدة.

الأوطان ليست حقل تجارب للمغامرات مهما كانت الحسابات، وقضية الجنوب اليمني، كما أكدت المملكة ومعها الكثير من الدول، قضية عادلة يجب أن تُحل ضمن الإطار السياسي للملف اليمني بأكمله، وليس بالتصعيد الذي يضع اليمن على حافة الهاوية، ويهدد الأمن الإقليمي، ويعمّق مساحات الفوضى وانفلات الأمن.

رفقاً باليمن أيها المسؤولون عن شعبه وحاضره ومستقبله، فالساسة العقلاء لا يُقدمون على الانتحار السياسي بهكذا مغامرات، ولا يضيفون إلى أوطانهم وشعوبهم مزيداً من المتاعب والمخاطر. اسمعوا نداءات المحبين لليمن والمشفقين عليه، ولا تدعوا التأريخ يضعكم في قائمته السوداء.

منذ 14 ساعة

الواهمون بإدارة لعبة الحرائق

تميّزت السياسة السعودية بالهدوء والحكمة والتبصّر وسعة الأفق والأخذ في الاعتبار المصالح الكبرى والأهداف الإستراتيجية. النظرة البعيدة للنتائج المحتملة لأي موقف يتعلق بأي قضية هي السمة التي تتصف بها؛ ولذلك تأتي مواقفها بعد دراسة وافية وتحليل عميق لكل المعطيات والظروف. لا توجد في السعودية سياسة انفعالية كردة فعل متعجلة، وليس ثمة تعامل متسرّع مع أي حدث كبير؛ لأن مطبخ القرار يضع كل الفرضيات في الحسبان بشكل استباقي، ويجهّز لها الحلول المناسبة.

هذه السياسة هي نهج المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز، رحمه الله، هو الذي وضع أسسها وشكّل ملامحها. بالعودة إلى فترة حكمه الحسّاسة وما أحاط بها من ظروف محلية وإقليمية وعالمية، سنعرف كيف أدار الملفات بدهاء وأناة وحكمة، وحقّق كل ما يضمن استمرار مشروعه بتأسيس الدولة السعودية الثالثة، بشروطه ومعاييره التي حظيت بتأييد القوى العالمية الكبرى؛ لأنها منطقية وسيادية، ولا تتعدى على جوار أو تطالب بما هو ليس لها.

ومن بعده مرّت المملكة باختبارات كثيرة، بعضها في منتهى الخطورة، لكنها نجحت فيها بامتياز بفضل الالتزام بالنهج السياسي الذي قامت عليه، والذي يتطوّر في آلياته وأساليبه بحسب مستجدات الأوضاع، لكن ثوابته وأساسياته كما هي، وأهم ركائزها: أمن واستقرار الوطن، وتحييد كل ما يهدّده من أي طرف قريب أو بعيد، والعمل الإيجابي الفعّال لتحقيق السلم والسلام والأمن في المحيط العربي والإقليمي. إنها تعمل دائماً على إنهاء المشاكل في محيطها بالحوار والدبلوماسية والحلول السياسية. تصبر طويلاً وتخلق الفرصة تلو الأخرى، تلتزم بوعودها ولا تنكث عهودها، لكنها لا تتسامح مع الذين يعتبرون نفَسَها الطويل تردّداً في اتخاذ القرار الحاسم عندما يتعلق الأمر بتهديد سياجها الأمني.

ولذلك، يجب أن يعلم المندفعون إلى خلق الاضطرابات في منطقة لم تعد تحتمل المزيد من الفوضى والتشرذم، أن هذه مقامرة خطيرة بأمن المنطقة كلها. النار لن تستثني أحداً إذا اتسعت رقعتها، ومن يعتقد أنه قادر على إدارة لعبة الحرائق دون أن يمسّه لهبها فإنه واهم كثيراً.

00:03 | 24-12-2025

خطيئة التغنّي بالماضي فقط

كل الشعوب تعتز بإرثها وحضارتها القديمة وتأريخها وبصمتها في أحداث الماضي، وتزهو بمكانتها وتأثيرها في العالم القديم، لكن الاتكاء على ذلك فقط، والتغني والمباهاة به وحده في هذا الزمن، مدعاة للنكوص والركود والجناية على الأجيال الحاضرة والمستقبلية لأي أمة.

كل أمة ولها تأريخ، ومن حقها وواجبها الاحتفاء به. لكنها تظلم نفسها عندما يكون هذا التأريخ سلاحها الوحيد الذي تملكه في زمن العلم الحديث والثورة التقنية الهائلة، والسباق المحموم من أجل امتلاك وتوظيف الأحدث منها، وتطويعه للتنمية البشرية والمادية، والمشاريع التي تنفع الإنسان وترتقي بحياته. والأخطر هو عندما تشارك النخب الفكرية والثقافية والإعلامية لأي مجتمع في تكريس فكرة الماضي بين أوساطه كنوع من الهروب في مواجهة الإخفاقات التنموية، وعدم الوفاء بالاستحقاقات المجتمعية التي تتطلب في حدها الأدنى توفر ضروريات الحياة وأساسيات العيش. وبدلاً من الاشتغال على المشاكل الداخلية الحقيقية بأمانة وشجاعة، تمارس تلك النخب الإسقاطات على مجتمعات أخرى في شكل بغيض من أشكال المغالطة للذهنية الشعبية المحلية البسيطة، بعد أن جعلتها أسيرة الهتاف والتصفيق للماضي، وتجميد التفكير في عوائق الحاضر وتحديات المستقبل.

لدينا هنا في المملكة إرث تأريخي ممتد، وعلى أرضنا قامت حضارات عريقة منذ آلاف السنين، لكننا رغم احتفائنا واعتزازنا بها لم نقع في مأزق الارتماء في طياتها كمصدر فخر وحيد ينسينا الاشتغال بالحاضر والمستقبل. فخرنا الآن أننا في فترة زمنية تعتبر قصيرة بمقياس نشأة الدول الحديثة، أصبحنا ننافس على المراتب الأولى بين دول العالم الكبرى في مقاييس التعليم والصحة والتقنية والاقتصاد وجودة الحياة بمختلف أشكالها. أصبحنا ندير شؤوننا وننهي أعمالنا وفق أحدث أنظمة التقنية الرقمية والتعاملات الإلكترونية. أصبحنا نعمل من أجل الحاضر ولدينا رؤية واضحة للمستقبل، ومستعدون للتعامل مع كل التحديات، ونمارس شفافية عالية في مراجعة ونقد خططنا وإعادة ترتيب أولوياتنا دون غرور أو مكابرة.

هنا يقام مهرجان الإبل كرمز للماضي على أطراف مدينة الرياض التي تعلو فيها أعناق ناطحات السحاب، وتزدحم بأهم شركات العالم، ويتقاطر عليها صانعو القرارات السياسية والاقتصادية. الماضي لدينا يقف إلى جوار الحاضر الذي يتشابك سريعاً مع المستقبل، دون ضجيج أو تشوهات نفسية أو عُقد مزمنة.

خطيئة بعض البلدان أنها تتغنى بالماضي فقط، دون العمل على تحسين الحاضر والاستعداد للمستقبل.

00:04 | 23-12-2025

الإعلام.. جسر المواطن والمسؤول

من أهم الخطوات التي اتخذتها وزارة الإعلام عقد المؤتمر الصحفي الحكومي الذي يشارك فيه الوزراء ورؤساء الأجهزة الحكومية، لعرض ما يستجد في جهاتهم من إنجازات وقرارات وأنظمة وخطط وتوجهات، والإجابة على الأسئلة والاستفسارات التي يطرحها الإعلاميون، في حوار مباشر ومفتوح.

هذا المؤتمر الصحفي يأتي ونحن في مرحلة أشد ما نكون فيها للتواصل مع المسؤولين بشكل مباشر وصريح وشفاف، مرحلة التحول الضخم الذي تعيشه المملكة في كل الجوانب وعلى كل الأصعدة، وما يتطلبه من تغيير في سياسات واستراتيجيات وتوجهات لمواكبة الرؤية الوطنية وتحقيق مستهدفاتها. صحيح أن لكل جهاز من أجهزة الدولة إدارة للإعلام والتواصل، وناطقاً رسمياً، من أجل تزويد وسائل الإعلام بما يستدعي نشره، والرد على ما يستوجب الرد عليه من تساؤلات واستفسارات، لكن الصورة الذهنية النمطية التي تشكلت لدى الجمهور عن تلك الإدارات من تجارب الماضي تجعله يتطلع إلى معرفة المعلومة الدقيقة والحقيقة المؤكدة من المسؤول الأول، فهو الذي يقطع الشك باليقين، ويمكن الركون إلى معلوماته والاطمئنان إلى موثوقيتها.

إن الحراك المتسارع الذي نعيشه، والتغييرات البنيوية في نمط إدارة شؤون الوطن التي ترتبت عليها مستجدات كثيرة في مفاهيم صنع الاستراتيجيات واتخاذ القرارات، تحتاج إلى تواصل مستدام بين المسؤول والجمهور، تسوده شفافية عالية وثقة كبيرة ومكاشفة أمينة بالحوار الموضوعي الذي يحقق طموح الجميع في تعزيز الإيجابيات وتصحيح الأخطاء وتجاوز السلبيات التي قد تحدث في أي مجهود بشري مهما كان مخلصاً ومتمكناً.

شكراً لوزارة الإعلام على هذه المبادرة الوطنية المسؤولة التي تنم عن وعيٍ حقيقي بدور الإعلام، ونأمل منها أن تحرص على استمرار هذا المؤتمر بشكل منتظم، وتسعى لتطويره بالكيفية التي تراها كفيلة بتحقيق الأهداف المتوخاة منه.

23:36 | 20-12-2025

«سيبراني» نموذج وطني متميّز

مع التقدّم التقني الهائل في وقتنا الحاضر لم يعد مفهوم الأمن مقتصراً على أدواته التقليدية القديمة، وأصبح لدينا مصطلح جديد في غاية الأهمية هو «الأمن السيبراني» الذي يمثّل هاجساً كبيراً لكل الدول، لذلك كانت المملكة سبّاقة إلى امتلاك أحدث تقنياته في وقت وجيز، وتطويرها بشكل سريع ومتقدّم وباحترافية مهنية عالية، لتتصدّر المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني لعامين متتاليين 2024 - 2025، وذلك ضمن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية لعام 2025م الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) بسويسرا.

وفي هذا الصدد أعلنت شركة «سيبراني» إحدى شركات عملاق النفط أرامكو الرقمية والمتخصّصة في خدمات وحلول الأمن السيبراني، عن تحقيق إنجاز عالمي في تقييمات (MITRE ATT&CK ) لعام 2025. ويشير هذا المصطلح الى تقييم تقني متقدّم يعتمد على محاكاة سلوك الجهات المهدِّدة في الواقع، بهدف قياس كيفية تفاعل حلول الأمن السيبراني وخدمات كشف التهديدات السيبرانية مع التكتيكات والتقنيات والإجراءات (TTPs) المستخدمة في الهجمات، ويتم تقييم أدائها بناءً على قدرتها على اكتشاف الهجمات والاستجابة لها، وتساعد هذه التقييمات على:

- «تحسين الأمن السيبراني»: من خلال فهم الهجمات الإلكترونية وتحسين الدفاعات.

- «اختيار المنتجات الأمنية»: بناءً على أدائها في مواجهة الهجمات الحقيقية.

- «تعزيز الوعي الأمني»: من خلال فهم التهديدات الأمنية وتحسين الاستجابة لها.

وقد حقّقت شركة سيبراني نتائج استثنائية في التقييمات منحتها نسبة 100% في اكتشاف سبعة تكتيكات هجومية رئيسية، هي:

1- أساليب جمع المعلومات.

2- أساليب الوصول لبيانات الدخول.

3- أساليب تنفيذ البرمجيات الخبيثة.

4- أساليب سرقة البيانات.

5- أساليب الحركة الداخلية للهجمات.

6- أساليب التواجد المستمر.

7- أنشطة الاستطلاع.

ويُعدّ هذا الإنجاز تتويجاً لقدرات «سيبراني» في حماية الفضاء السيبراني الوطني وتعزيز أمنه، كما يعزّز حضورها في مشهد الأمن السيبراني العالمي، ويؤكد تقدّم ابتكاراتها السيبرانية على مستوى دولي.

ونتيجة لهذا التميّز الرفيع في الأداء الفني في التقييمات، استحقت شركة سيبراني أن تحقّق المركز الأول في الشرق الأوسط بين مثيلاتها في هذا المجال، وتم منحها مقعداً ضمن المجلس الاستشاري في تقييمات MITRE ATT&CK (ATT&CK Evals Participant Advisory Council)، لكي تقوم بدور رئيسي في تطوير وتحسين منهجيات دورات التقييم المستقبلية، وتعزّز مواءمة آليات التقييم مع احتياجات منظومات الدفاع السيبراني في المنطقة والعالم، وترسّخ في الوقت ذاته دور المملكة في المساهمة الفعّالة في تشكيل مستقبل الأمن السيبراني عالمياً.

وتستند سيبراني، إلى خبرة عملية متراكمة في حماية البيئات الصناعية والبنى التحتية الحساسة، مما يمكّنها من نقل واقع هذه البيئات الوطنية الحرجة إلى سياق أوسع داخل مجتمع ATT&CK، ودعم تطوير فهم أعمق لسلوك أنظمة وخدمات كشف التهديدات السيبرانية في بيئات تشغيل متنوّعة. وتجدر الإشارة إلى أن الشركة تعتمد كلياً في هذا التميّز والتفوق على كوادر وكفاءات وطنية عالية التأهيل والتدريب، ما يؤكد حرصها على تطوير العنصر الوطني كأهم استثمار بشري مستدام.

هذه الشركة الوطنية هي نموذج فخر واعتزاز بما وصلت إليه المملكة في مجال الأمن السيبراني، بل في مجال العلوم والتقنية عموماً. وهي تعكس التوجه الذي تنتهجه المملكة في رؤيتها الوطنية كي تكون صانعةً للتقنية، ومصدرةً لها. وقد أثبتت قدرتها على ذلك في وقت وجيز سابقت فيه الزمن، وأكبر دليل هو تصدرها دول العالم في الأمن السيبراني.

00:05 | 17-12-2025

شيءٌ عن الاستثمار الثقافي

قرأت قبل فترة حواراً مع الأستاذ غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني المخضرم، الذي أمضى عقوداً من الاشتغال بالثقافة، أكاديمياً ومسؤولاً وفاعلاً في المجال الثقافي العام، أعجبتني فيه عبارة لافتة عندما قال إن اقتصاد الثقافة في لبنان بالمعنى الشامل والطيف الواسع لمكوّنات الثقافة، أدباً وتأريخاً وفناً وتراثاً، هو اقتصاد أكبر من الاقتصاد الزراعي إذا ما تم استثماره وتفعيل كل عناصره بكفاءة، وطرح الوزير سلامة مبرراته وحيثياته التي تدعم رأيه، مع أنه يتحدث عن لبنان، ذي البيئة الزراعية الخصبة.

خطر على بالي حوار الوزير سلامة وأنا أتأمل الحراك الثقافي المتنوّع الذي أصبحت تركّز عليه المملكة في كل ما له علاقة بمفهوم الثقافة ودلالاتها وتجلياتها، من آثار وفنون وألوان غنائية وأدائية ومسرح ومعارض تشكيلية وعروض تراثية، وصناعة سينمائية، ومهرجانات متنوعة، واحتفاء بالموروث في نواحٍ كثيرة مثل الأطعمة والأزياء والحرف التقليدية، وكثير غير ذلك من التنوّع الثري الذي تزخر به كل مناطق المملكة.

لكن الالتفاتة الذكية كانت في عقد مؤتمر الاستثمار الثقافي في مدينة الرياض خلال شهر سبتمبر برعاية ولي العهد، مما يؤكد أن هذا النوع من الاستثمار أصبح توجهاً استراتيجياً حقيقياً ضمن أهداف الرؤية الوطنية، وهذا شيء يبعث البهجة ويدل على أن هذا المسار يحظى بذات القدر من الاهتمام الذي تحظى به بقية مسارات الاقتصاد.

دول كثيرة يعتمد الجزء الأكبر من دخلها القومي على الجذب الثقافي، وأكرر أن الثقافي هو كل ما يندرج تحت هذا المسمى بمعناه الواسع. ونحن في مملكتنا الشاسعة بمناطقها المختلفة ذات التنوّع الثري المتميّز في كل شيء ثقافي عبر كل العصور، نستطيع فعلاً أن يكون لنا كعبٌ عالٍ في الاستثمار الثقافي؛ نظراً لوجود خصوصية لمكوّنات ثقافية لدينا غير موجودة في بلدان أخرى، أثبتت خلال فترة قصيرة قدرتها على إبهار العالم.

لدينا الكثير الكثير مما يمكن استثماره في هذا المجال، فليستمر التركيز عليه كبيراً كما يستحق.

00:08 | 16-12-2025

جدة غير.. ولكن...

خلال اليومين الماضيين تحوّل الطقس في مدينة جدة إلى طقس خرافي كما هو معتاد مع دخول الشتاء، لكن هذه المرة يبدو أن شتاء جدة سيكون أجمل وأعذب وأكثر تحريضاً على الحياة خارج أسوار البيوت. وبالمناسبة يقال إن منسوب مياه الأمطار يوم الثلاثاء وصل إلى 135 ملم، لكن كانت الحياة طبيعية ولم تُسجّل أضرار كبيرة، بينما في عام 2009 مع حادثة الغرق الشهيرة كان حوالى 90 ملم فقط، ومع ذلك سقطت المدينة في غمرة المطر والسيول المنقولة، وهذا مؤشر جيد على مضي مشروع تصريف مياه الأمطار والسيول بشكل جيد.

هذه المرة لم تغرق الأنفاق وتتعطل لوقت طويل كما كان سابقاً، ولكن ما زالت لدينا مشكلة في الشوارع التي تبقى فيها آثار المطر على شكل بحيرات صغيرة حتى بعد انتهائه، خصوصاً في الأحياء الشمالية التي تعاني من سوء تنفيذ سفلتة الشوارع وبطء مشروع تصريف مياه الأمطار فيها. هذه حقيقة مُشاهدَة للجميع، ومعاناة مستمرة لسكان تلك الأحياء ليس في موسم الأمطار فقط.

طوال العام وعمليات الترقيع تتم في شوارع الأحياء الشمالية بوضع طبقات رقيقة من الأسفلت لا تلبث أن تتهالك سريعاً ثم تتحوّل الشوارع إلى حُفر ترابية مختلفة المقاسات والهبوط، سيئة المنظر وضارة للمركبات ومعطلة للسير. البلاغات بشأنها متواصلة من السكان، لكن الحال على ما هو عليه، ولا ندري أين المتابعة والمراقبة وتطبيق معايير الجودة والصيانة.

في وقت مضى كانت جدة وجبة دسمة للصحف فيما يخص البنية التحتية المتواضعة، ويبدو أن الوضع ما زال مستمراً حتى مع التشديد على تسريع المشاريع وضمان أعلى جودة لها.

ولعلنا هنا نهيب بأمانة جدة وهيئة الطرق وبقية الجهات ذات العلاقة أن يسارعوا إلى حل هذه المشاكل، أي جودة الشوارع واستكمال مشروع تصريف الأمطار. لا يفصلنا سوى وقت قصير عن عام 2030 ولا يليق بمدينة عظيمة كجدة أن يحين هذا الموعد وهي ما زالت تعاني من تشوّهات.

00:00 | 11-12-2025

«ظريف» لم يكن ظريفاً

محمد جواد ظريف ليس شخصاً عابراً في الدبلوماسية الإيرانية، فصاحب الشهادة العليا في القانون الدولي من إحدى الجامعات الأمريكية، والمسيرة الطويلة المتدرجة في العمل الدبلوماسي لأكثر من أربعين عاماً، يعتبر أحد أشهر وألمع وزراء خارجية إيران، وقد أكسبته الخبرة حضوراً لافتاً في المنتديات الدولية بمناوراته الدبلوماسية الذكية. إنه الشخص الذي أهداه داهية السياسة الأمريكية هنري كيسنجر نسخة موقعة من كتابه «الدبلوماسية»، عند مغادرته بعثة إيران في الأمم المتحدة عام 2007، وكتب عليها: «إلى ظريف، عدوّي المحترم». لذلك لا نعرف لماذا ظهرت منه النسخة التي رأيناها في منتدى الدوحة، هل هي النسخة الحقيقية التي كان يخفيها المنصب الرسمي، أم هي نسخة مصطنعة يعتقدها مفيدة لاكتساب القبول والشعبية للعودة مرة أخرى للمعترك السياسي، وبطموح أعلى ربما.

لقد جَنَح جواد ظريف كثيراً في منتدى الدوحة خلال حديثه عن علاقات إيران بالدول العربية ودورها في الأزمات المشتعلة في بعضها. لم يكن ذلك الدبلوماسي الهادئ كما رأيناه سابقاً، وكما تفرض قواعد الدبلوماسية في منتدى نخبوي مهم يشاهده العالم، ولم يكن أميناً في المعلومات التي ذكرها. وبوضوح أكثر، كان يمارس مغالطةً كبيرة للحقائق التي يعرفها العالم كله، وليس محيطه العربي المتضرر منها فقط.

كان مُستغرَباً جداً من ظريف أمام دبلوماسيين مثله يعرفون أكثر مما يعرف غيرهم أن ينكر تماماً تدخلات إيران في دول عربية عبر وكلائها، نافياً أي مطامح لها، وأن الوكلاء لا يخدمون أي مصلحة لإيران، بل يخدمون مصالحهم الذاتية. ولم يتوقف ظريف عند هذا الحد بل تعداه إلى القول: (نحن ندعم القضايا العربية أكثر من العرب. نحن من دفع الثمن مقابل دعمنا للقضايا العربية. نحن دعمنا فلسطين أكثر من كل الدول العربية). وختم حديثه بما لا يجوز له، حين أباح لنفسه الخوض في الشؤون الخاصة بدول مجلس التعاون الخليجي وهو ضيف على إحداها.

لسنا بحاجة إلى تفنيد ادعائه، بأن إيران دعمت قضايا العرب أكثر من كل الدول العربية؛ لأن الواقع يشهد بمآلات الدعم الإيراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة. وأما بالنسبة لدول الخليج، التي نصحها بالتعاون مع إيران «التي وصفها بما يشبه التهديد المبطّن بأنها أكبر دولة»، فإنه أول العارفين، بحكم موقعه في السياسة الإيرانية، أن دول الخليج جميعاً، وبشكل مستمر، سباقة في مد يد التعاون البناء مع إيران، وبناء جسور الشراكات المفيدة، وإحلال الأمن والسلام في المنطقة، ولنا أن نستشهد بمساعي المملكة التي أسفرت عن توقيع اتفاقية بكين، التي نأمل من الجانب الإيراني الالتزام والجدية في تنفيذها كما تفعل المملكة. لكن المشكلة التي يعرفها ظريف، أن إيران لا تتوقف عن استفزازاتها لدول الخليج بالممارسات والتصريحات، وآخر ذلك ما ردت عليه أمانة مجلس التعاون الخليجي بالتزامن مع توقيت منتدى الدوحة، بخصوص الشأن الداخلي السيادي البحريني والجزر الإماراتية، وحقل الدرة النفطي ذي الملكية المشتركة بين الكويت والسعودية.

دول الخليج، يا سيد ظريف، مشغولة بتنمية بلدانها وازدهار شعوبها، ولديها قوة كافية لحماية مقدراتها وسيادة ترابها. وهي تتمنى دائماً أن تكون إيران جاراً يشاركها الفعل الحضاري الإنساني من أجل رخاء الشعوب وأمنها واستقرارها. ومن أجل تأريخك وصحتك أيضاً، ننصحك بالهدوء وعدم الانفعال كما نصحك أمين عام مجلس التعاون الخليجي خلال جلسة المنتدى.

00:47 | 10-12-2025

الرياض ودمشق.. البوابات المفتوحة

تحتفل سورية بالذكرى الأولى لتحريرها من حكم البعث الذي أطبق على أنفاسها أكثر من نصف قرن، وحولها إلى دولة رعب وبطش وسجون واقتصاد بدائي وتخلف علمي وعزلة دولية. قضى الزعيم الأوحد والحزب الأوحد على الإمكانات الكبيرة لسورية التي تؤهلها لتكون من أفضل الدول، وحين ثار الشعب على النظام في 2011 عوقب على مدى 14 عاماً بأبشع خلطة من صنوف التعذيب حولت سورية إلى يباب، وجعلت شعبها يتوزع بين الموت والتهجير والتغييب في أبشع السجون، إلى أن حانت اللحظة التأريخية الحتمية في ديسمبر الماضي للخلاص وبداية مرحلة تبشر مؤشراتها بالتفاؤل بمستقبل يليق ببلد وشعب عريق.

كانت سورية على المحك في بداية تحريرها. أشد المخاطر تحيط بها، بلد مقسم ومنقسم بين مكوناته، تتوزع على أرضه الفصائل المسلحة المختلفة، وعسكر واستخبارات الدول التي تطمع بتوسيع نفوذها فيه وسيطرتها على مصيره، بالإضافة إلى إسرائيل المترقبة على حده الجنوبي، التي فقدت بخروج بشار جاراً مأموناً، كل ما يحدث في سورية كان يبعث الخوف عليها، ولكن خلال هذا الوقت الحساس وشديد الخطورة حضرت السعودية بقوة إلى جانب الشعب السوري وقيادته بكل أشكال الدعم، وكان حضورها المبكر الفاعل رسالة واضحة للآخرين بأن عليهم أن يكونوا معها.

الرياض فتحت بوابة قلبها للرئيس أحمد الشرع في أول زيارة خارجية له، وخلالها تم بحث كل ملفات الشراكة الإستراتيجية والدعم والإعمار، وفي الزيارة الثانية في مايو 2025 حدث ما لم يتوقع العالم حدوثه بذلك الشكل، فقد جمع ولي العهد الرئيس السوري مع الرئيس الأمريكي في لقطة ولحظة تأريخية كبرى، وانتهت الزيارة بقرار الرئيس ترمب رفع العقوبات عن سورية بطلب من الأمير محمد بن سلمان. وكانت الزيارة الثالثة لحضور مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، حيث عقدت اتفاقيات ضخمة للاستثمار في سورية، علماً بأن الوفود الاقتصادية السعودية تتردد على سورية منذ استقر الوضع فيها، إضافة إلى الجسر الإغاثي الجوي والبري المستمر الذي بدأ منذ تحريرها.

المملكة مؤمنة بحق الشعب السوري الشقيق في تجاوز ماضيه المؤلم إلى مستقبل أفضل يحفه الاستقرار والازدهار، لذلك فإنها تعمل على كل المحاور والمستويات عربياً وإقليمياً ودولياً من أجل سورية الجديدة، سورية الشعب السوري بكل طوائفه ومكوناته. كل الأمنيات والدعوات لسورية بمستقبل أجمل.

00:01 | 9-12-2025

تسجيلات بشار وحوار الشرع

في الوقت الذي كانت فيه قناة العربية يوم السبت تبث التسجيلات التي حصلت عليها، والتي توثق بعضاً من مهازل بشار الأسد في سوريا، وتعكس شخصيته السايكوباثية الحاقدة على الشعب السوري، كان الرئيس أحمد الشرع الذي شارك في حوار الدوحة يُجري مقابلة مع مذيعة الـCNN الشهيرة كريستيان آمانبور، التي سألته ضمن ما سألت عن كيف سيقود سوريا بكل مكوّناتها في دولة مدنية موحدة، رغم ماضيه (الإرهابي) كما وصفته. أي أننا في نفس اليوم شهدنا تسجيلات لرئيس سابق توضح بعض مفاهيمه ورؤيته الرديئة تجاه وطنه وشعبه، ورئيس جديد يحاول جاهداً أن يصنع مفهوماً جديداً لإدارة وطن ممزق وشعب منهك، لكن بعض وسائل الإعلام الغربية ما زالت تدندن على ماضيه.

تسجيلات بشار مع مستشارته تكشف لنا كيف كان يتعاطى مع مسؤولية الحكم باستخفاف وحماقة واستعلاء وتهور صبياني. خلال جولة في سيارة يقودها الرئيس تتبسّط معه مستشارته في الكلام ويتبسّط معها أكثر، وكأنهما يتحدثان عن أمور شخصية وليس عن بلد مدمر دفع ملايين الضحايا من شعبه. يستخف ببعض مكوّنات الشعب ويلعن بعضهم، ويسخر من بعض مسؤوليه الكبار، بل ويسخر حتى من لقب عائلته. يتجوّل في الطرقات منتشياً بالذين يقبّلون يده من العسكر، بينما لم تظهر في حديثه أي نبرة تنم عن الحزن أو الأسف على الدمار الهائل الذي كان يتجوّل فيه.

في المقابل، كان الرئيس أحمد الشرع يفنّد بذكاء وموضوعية وشجاعة مصطلح الإرهابي وسردية الإرهاب في حواره مع مذيعة الـCNN، موضحاً ازدواجية المعايير التي لم تصنف بشار الأسد إرهابياً رغم أن نظامه قتل أكثر من مليون شخص، وشرّد أكثر من 14 مليوناً، وغيّب أكثر من ربع مليون، لا أثر لهم إلى الآن، بينما مسيرة تحرير سوريا منه ومن نظامه لم تتعمد الإضرار بالمدنيين حتى وصولها دمشق، وما بعد ذلك، فمن يستحق تصنيف الإرهابي.

الذين شاهدوا سوريا بعد هروب الأسد وأنا من ضمنهم لا يمكن لهم أن يتصوّروا أن نظاماً يرتكب كل تلك البشاعات في وطنه. استخدم كل الأسلحة المحرّمة في حرب إبادة ضد المدنيين، قضى على كل البنية التحتية في مدن سوريا وأريافها، جعل البلد مستباحاً للعصابات والميليشيات، وحوّله إلى واحد من أضخم مصانع وممرات عبور المخدرات في العالم، بينما السوري يبحث عن الخبز والماء المفقودين، وشيء من كرامته المهدرة.

لقد عادت سوريا إلى حضنها العربي بعد سقوط نظام الصبي المعتل نفسياً وزمرته الفاسدة، وبدأت تشرق في الأفق الدولي الذي يليق بها، ورغم كل المصاعب والمتاعب التي تكتنف المرحلة الجديدة إلا أنها بداية فصل جديد وجميل في تأريخ سوريا. وقبل أن نختم لا بد أن نرفع القبعة لقناة العربية التي أكدت لنا بالصوت والصورة في تسجيلاتها التي بثتها حصرياً أن ذلك المختل لم يكن رئيساً ولا حتى مواطناً سورياً حقيقياً. مجرد دمية يلعب بها الرجال والنساء.

00:11 | 8-12-2025