-A +A
خالد بن هزاع الشريف khalid98alshrif@
•• خرجت من باب المسجد النبوي الشريف.. رأيت مُنفقاً في ساحة الحرم يعطي مسكيناً ريالات معدودات.. الأمر طبيعيٌ يحدث يومياً.. المبهر أن رجلاً فقيراً عائلاً عليه علامات البؤس والحاجة؛ يمنح بوجه مشرق بشوش ما أُعطي من عطية لآخر مثله به حالة شَظَف وعَوز.. الله الله، ما أبهى يقين من علِم أن رزقه لن يأخذه غيره.. أبكيتني يا غني النفس الأبية القنوعة.

•• أمسكتُ على يدي ذلك الرجل البَرّ الضانك المكتفي.. يمَّمت إليه باستعلام من لم يستطع عليه صبراً: لماذا فعلت فعلتك التي فعلت؟، أكنت انتفعت بما أُعْطِيت؟.. بهيبة مؤمن حازم مطمئن موثوق، وإبهار مساء انتصف ليله ونهار ارتفعت شمسه أجابني: «ما يكفيني وأهل بيتي أعطاني الله إياه، والفائض حقٌ لمن مثلي به خصاصة».. أي نظَّارة بيضاء يرتديها هذا الخلاَّب الفتَّان بقلبه الأزهر؟


•• فقيرٌ مُنفق أتقن تعريف الفقر وفسره، فمنح نفسه سلاماً وطمأنينة.. مُعوزٌ اقتحم جوقة المُنفقين يفتش عن أوجاع صِنْوه في رومانسية شعور بوجع يفيض على حفافي روحه.. محرومٌ قلَب صفحة الضَّنين في حالة منفردة وحضور تعاضدي ملتهب.. مُدقعٌ ارتقى بمشاعر تسيل لها الأجفان والوجدان.. تلك هي علاقة «الحاجة» بقافية العطاء وموسيقى الحب.. فما أصدقك أيها المُعسر حين تسمع رنين صوت نُظرائك.

•• أيها الإنسي القانع بما رُزق، الصانع للصورة الإنسانية المركبة؛ عدَّلت الموازين، وغيرت أطراف المعادلة، وأعدت «الإنفاق» للواجهة.. استرجعت إلى الذاكرة والطَوِيَّة الامتداد الطبيعي للاحتماء من الفقر.. لقد مررتُ بين يدي كلماتك بحالة استسلام غريب.. وأمام وسم «معادلة الإحسان» شعرت برجفة وحيرة وتساؤلات: هل أنت الفقير أم نحن؟.. هل نستطيع أن نلمس فعلتك ونشتم رائحتها؟.. أأرثي نفسي أم أرثي موتى الحياة؟