-A +A
تركي بن ظافر القرني قاض سابق ومستشار قضائي خاص abosaqer_20@
يا لهذا الجسد المثقل بمثاقيل الحياة!.. ويا لهذه الروح المتعبة من صريف الرياح العاتية.. ويا لهذه الرجولة المنهكة في زمن الانكسار!

«الرجولة» مكلفة، متلفة، مفسدة لرغد العيش، يدّعونها «الأوباش» وقلوبهم في الرواهج تفرق!!، وأيديهم لا تعطي بل تسرق، وألسنتهم تهرف بما لا تعرف، وتنهق تارة وتارة تنعق!.. «الرجولة» ثبات في المواقف، وارتكاز أثناء القواصف.. «الرجولة» كرم، وعطاء، وبذل، وسخاء.. «الرجولة» غضب، وانفجار، وقتال وانتصار.. «الرجولة» عز على الأعداء، وذل للأولياء.. «الرجولة» صبر وحلم، وتغاضٍ وسِلم.


«الرجولة» الحَق تفرض الشجاعة الحَق، ولا تتم الشجاعة لرجلٍ إلا إذا جاز أن تصل به أحياناً إلى حدِّ التهور والجنون، لأن ضبط النفس لا يتيسر في كلِّ وقت، كما يتيسر لبعض من يفهمون أن الرجل «الصالح» للانتفاع بالمجتمع هو المخلوق «المصقول».

وما قيمة القلم إن لم نخِز بسنانه عيون المتعالمين والمتعاقلين من حينٍ إلى حين؟ وما حظ الأمة في أن يتخلَّق جميع أبنائها باللُّطفِ والظُّرف؟ أعاذنا الله من زيغ البصائر في هذا الزمنِ المخبول!) ا.هـ

حينما أقرأ قول الله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ (تُرْهِبُونَ) بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)

أعلمُ أن القوة في الرجل -معنوياً ومادياً- عماد لبقاء الإسلام والوطن قوياً.

ومن السنة «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل الخير» (صحيح مسلم).

وأستنبط من قوله تعالى «رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ» أن الرجولة استعلاء على نوازع الضعف والشهوة.

مخبول مهبول من يخلط بين الرجولة والذكورة، فكل رجل ذكر وليس كل ذكر رجلا!

تعيس ذاك الذي يختزل الرجولة في كمية استنزال واستنزاف الشهوات والملذات!!

فالبغل أكثر أكلاً والعصفور أكثر سِفاداً.

الرجولة معنى خفي بين أضلع الرجال ينفجر كالبركان!!

إذا استُثير وثار أو أُهين وغار.

دائماً تخطر على بالي الأجيال المنقرضة التي دونتها كتب التاريخ وبعض بواقيها من جيل الستينات والسبعينات الهجرية أو الميلادية بأيهما بدأت فالفرق يسير تجدني أترنم بأبيات لبيد بن ربيعة:

ذَهَبَ الَّذينَ يُعاشُ في أَكنافِهِم

وَبَقيتُ في خَلفٍ كَجِلدِ الأَجرَبِ

يَتَأَكَّلونَ مَغالَةً وَخِيانَةً

وَيُعابُ قائِلُهُم وَإِن لَم يَشغَبِ.

لعلي بمقتضباتي التي ذكرت أعدت إلى الأذهان بعض ملامح محيا الرجولة البائدة، التي غُزيت وأُسرت ثم نُسيت.