-A +A
فؤاد مصطفى عزب
البداية في هذا الزمن الطريف الصعب، كان مجرد حديث بيني وبين صديق، عن زمن التغيرات الجذرية التي تتلاحق متسارعة وتتوالى أخذ بعضها برقاب الآخر، وتتداعى بأسرع من تداعي الأفكار والخواطر، حتى أن المرء ليقف لاهث الأنفاس دون مواكبة الأحداث الكبرى، فما إن يتصل بمسمعيك نبأ حدث من هذه الأحداث الخطيرة، حتى يكون هذا الحدث الخطير، قد أصبح قديماً وتجاوزته أحداث أخرى أجل وأعظم، ليداهمني هذا الصديق بفكرة الانضمام إلى فضاء تويتر، وعلق أنه رزق من عند الله، وسقطت في التجربة في أول هذا الشهر، ولم أكن أعلم أنني ارتكبت حماقة عمري، وأنني طرقت بابا ما كان علي أن أطرقه، أحدهم استقبلني بتغريدة، يبدو أنه يعرفني طفلا، لم يكن في تغريدته غير تلك المرأة الصينية التي تفقد توازنها إذ ينمو جسدها ويكبر، في حين تبقى قدمها في العمر الذي كانت عليه يوم دخلت قدمها في حذاء الحديد، وهذا ما حدث مع هذا المغرد، الذي حاول أن يقول لي، كم أنت تافه أيها المهم! لم يجد عيبا في غير ازدراء طفولتي، حيث اكتشف أنني ابن (الفران) أغراه الاكتشاف فغرد بفجاجة، وسميت له الأشياء بأسمائها، وأوضحت له أن أبي كان (طحانا) وأعمامي السبعة كانوا هم الفرانين، شخص يبحث عن تمزيق أشلائك وإطفاء كل ومضة من نور استطعت أن توقدها بضنى السنين وعرق الليالي، وهو لا يختلف عن كثيرين في تويتر، فعاصفة الحقد والكراهية والغيرة والعنجهية واللغة المسننة والوحشية وسحق الآخر، بكراهية وعنصرية وتحجر عقائدي، والتي تستخدم فيها كل الأسلحة تكاد تكون سائدة، وهي لا تختلف عن غوغائية مضحكة مبكية، كأن يصحو أحدهم، ويسأل أسئلة طفولية لا إجابة لها.. هل بول السلحفاة أبيض أم أحمر؟ وتجد من يجيب أبيض ليختلف الآخر بأنه أحمر وتنتهي الأغلبية مع الأحمر والأقلية الشحيحة مع الأبيض، وقليلة أخرى بين المنزلتين! ويخرج لك فجأة من شقوق الأرض غلام يشد أذنك عقب تغريدة لك، وكان ينكس رأسه دوما عندما يحدثك، يجعلك تدخل في تناقض مع نفسك من أوسع الأبواب وأكثرها إثارة للشفقة، تتساءل.. أليس هذا الغلام من كنت أضمد جرح جسمه الأعلى عندما كان الذباب يستجمع حوله؟ لماذا يحدثني بهذه الفظاظة؟ أما المد الغاضب من قبل الأسماء الغامضة ورغوة الزبد التي تلتف حول الكلام فحدث ولا تسأل، ففي تويتر تحس أنك ضحية عمياء أمام بندقية قناص، فساحة تويتر تعج بهذه الألقاب، أسماء مغطاة بكثير من القش، أسماء حركية عليك أن تفك طلاسم معناها، فالراعي مثلا، تكتشف أنه راعي ديكتاتورية فكرية تصل اإلى ذروة ديكتاتوريتها وقمعها الفكري، قطيعه مكون من تيس واحد والباقي حريم،.. والأبكم شخص يتكلم كل لغات الإسفاف والبذاءة،.. أما فالنتاين، والذي يفترض أن يكون قديس الحب، فمغرد أعصابه محترقة، نصب نفسه نقيضا قطعيا للمحبة، ولد وفي فمه ملعقة كراهية. أما عن الهداية القسرية والمطالبة بعدم المجاهرة بالمنكر في تويتر، فضحكة سوداء من زمن قاتم، تتحدث عن صوت فيروز، لتقابل بحملة شرسة، تعيد إلى ذهنك المناخ الإرهابي، الذي كنا نعيشه أيام الهذيان اللغوي وصف الحكي من على المنابر عندما خرج القطار عن قضبانه، والبعض ينشر موسيقى ساقطة في تويتر ولكنه يصاحبها تصفيق، الابتذال الجبار يحني الرؤوس جارفا المتابع حتى الندم، ولقد قرأت أكثر من مغرد يمارس الابتذال بسخاء، وأبطال تويتر منتشرون كالرطب في الصيف، تعقيبا على كل تغريدة، أبطال في معركة غير موجودة، ولكن وجود عنترة أمر ضروري لانتصار بني عبس، لا توجد قيم فكرية إلا من وجهة نظرهم، ولا توجد أعمال فنية إلا ما تصادف هواهم، وليس كل من يختلف معهم إلا طائر مغرد خارج السرب، يجب الفتك به ونزع ريشه، وتبقى القيم من اختصاصهم، الزاد الوحيد الذي وجدته في تويتر، نصوص تجسد حياة مغرديها، وهي إعجاز حقيقي لكتاب ومحامين، لهم نبرة خاصة، يغنون انتصاراتهم العظيمة على فقر المغردين الآخرين، ولأن دخان غليوني يساعدني على الرؤية بوضوح، توصلت إلى أنه لم يعد لي مكان هناك، وأنني ارتكبت خطأ جسيما في حق نفسي، والأخطاء كأوساخ الأظافر، نمسحها، فعندما يشرق الخطأ يغرب الصواب، وعندما يبزغ الصواب يأفل الخطأ، على الرغم من أنهما معا دون انقطاع كالشمس والقمر، كانت تجربتي أيها الحضور الكريم، مسرحية من فصل واحد، انتهت في شهر واحد، لا تلوموني إن رأيتموني فاراً من تويتر، كالكلب المذعور في عرس، ولكن لوموا أهل العرس، الذين حولوه إلى مأتم، فعلا كان مأتماً بالنسبة لي وليس عرسا، ورغم ذلك أقسم بأعظم الأيمان.. أن كل ذلك لن يجعلني أتنازل عن شعاع واحد من شمسي في هذه الحياة!

* كاتب سعودي


fouad5azab@gmail.com