-A +A
نجيب يماني
من المتوقع أن يصل عدد المعتمرين خلال شهر رمضان المبارك إلى 7.5 مليون معتمر، تقدم لهم الدولة كافة التسهيلات وأفضل الخدمات، بإشراف مباشر من سمو الأمير خالد الفيصل، وحتى يكون لهذه الجهود الإنسانية والتوسعة المكانية أثر واضح في راحة ضيوف الرحمن، يستلزم الأمر أن يكون المواطن على قدر من المسؤولية بدعم هذه الجهود والمساعدة على إظهارها بدلاً من إصراره على تكرار العمرة في رمضان أو يأتي بها يوميا مرة أو مرتين ويفاخر بها أمام الناس (في بدعة لا أساس لها في الشرع) فالنوافل الأصل فيها الستر والخفاء، مسبباً الضيق والعنت للقادمين من خارج المملكة، ومنهم الفقير والمحتاج والذي باع كل ما يملك ليأتي بعمرة ويؤدي مناسكه براحة وأمان، فيجد أمامه حشودا تضايقه وتفسد عليه أجواء الروحانية التي ينشدها، وتضيع جهود الدوله المبذولة لراحتهم. اتفق العلماء على عدم مشروعية تكرار العمرة يقول (ابن تيمية) في (فتاويه) إن الاعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب، بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار، فالاعتمار بدعة لم يفعله السلف، ولم يؤمر به في الإسلام، ولا قام دليل شرعي على استحبابها وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة. وأن ما زاد على المرة ليس بواجب. ورد في (المغني) (وبداية المجتهد) أن العمرة واجبة على المسلم مرة واحدة في العمر لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة) ومقتضى الأمر الوجوب وهي معطوفة على الحج والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه. وفي كتاب (الأم للشافعي) أنها واجبة في العمر مرة واحدة. وقد فرق ابن تيمية بين الأفاقي وأهل مكة فأوجبها على الأفاقي ولم يوجبها على المكي، وقال الإمام أحمد إن أهل مكة لا عمرة عليهم مع وجوبها على غيرهم، ولنا أن نتخيل لو امتنع أهل مكة عن العمرة مقتنعين بأنها ليست واجبة أصلاً في حقهم وكذلك ممن سبق لهم أداء العمرة لساهموا في تخفيف الزحام وأفسحوا المجال للقادمين من خارج البلاد. فالعمرة أصلاً ليست واجبة على المسلم لقوله عليه السلام عندما سأله جابر: «هل العمرة واجبة قال: لا وأن تعتمر فهو أفضل»، وفي المصنف لابن أبي شيبة عن عطاء قال «ليس على أهل مكة عمرة إنما يعتمر من زار البيت ليطوف به وأهل مكة يطوفون متى شاءوا». وعن عطاء أنه قال ليس على أهل مكة عمرة ويعلق ابن تيمية أنه لو كان أهل مكة يعتمرون على عهد رسول الله ويؤمرون بذلك لم يكن خافياً على ابن عباس إمام أهل مكة وحبر الأمة وكذلك عطاء أفقه الناس في المناسك إن الإكثار من الطواف وقت الزحام أمر غير مستحب لأنه يؤدي إلى الضرر. وقد قال الفقهاء إن النوافل في زمن المواسم أفضل من الطواف في حق المكي لأجل التوسعة على الغرباء، وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصلوا الناس في بيوتهم إذا كان هناك مشقة عليهم، وقال لأهل مكة أتموا فأنا على سفر رحمة بهذه الأمة وتسهيلاً لهم. وقد أفتى ابن عثيمين -رحمه الله- أنه في الموسم لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الطواف وخير أسوة لنا رسول الله فإنه في حجته لم يطف إلا طواف النسك فقط ليعلم منه أن الأحق أحق فالطائفون الذين قدموا للنسك أحق من الذين يطوفون تطوعاً. لذلك ينبغي لمن رأى المطاف مزدحماً أن يشتغل بالصلاة والقرآن في الأدوار العليا في الحرم ويترك صحن الطواف تماماً أو أن يصلي في مساجد مكة المنتشرة في كل مكان ويترك الحرم لضيوف الرحمن وفي فتاوى الحرم المكي 1407هـ «إن تكرار العمرة كما يفعل الجهال هو الخطأ». لقد بقي الرسول في مكة تسعة عشر يوماً لم يخرج ليعتمر، فهل النبي عليه الصلاة السلام يجهل أنه مشروع؟ كلا أو هل عند رسول الله تهاون في ترك الأمر الفاضل؟ حاشاه فلم يخرج للتنعيم والجعرانة للاعتمار، إذن تكرار العمرة خلاف السنة، ولابن تيمية أدلة على عدم مشروعية عمرة المكي فالخروج للحل للإحرام بعمرة لم يفعله أحد على عهد رسول الله ولا الصحابة لا في حجة الوداع ولا بعدها، ولم يعتمر أحد منهم بعد فتح مكة، وبما أن رسولنا الكريم لم يعتمر في رمضان ولا صحابته ففي هذا دلالة على خطأ ما نقوم به من سباق محموم للعمرة في شهر رمضان. فلنكن عوناً لولي الأمر وأجهزة الدولة للتخفيف من الزحام. وما أكثر الطاعات في الإسلام خاصة للمرأة التي تترك كل شيء خلفها وتعتمر برفقة سائق أجنبي بل وتبقى في مكة تزاحم المعتمرين معتقدة أن الصوم لا يتم إلا بفعلها هذا. أكد سعد بن جبير أن حديث «عمرة في رمضان تعادل حجة معي»، إنما هو حديث خالص بالمرأة التي خاطبها رسول الله وليس عاما. كما لا تصح العمرة عن الأموات لانقطاع عمل ابن آدم بموته، فليس للإنسان إلا ما سعى.

* كاتب سعودي