-A +A
عبداللطيف الضويحي
يخطئ من يعتقد أن هدف السعودة هو توظيف السعوديين بأي طريقة حتى لو كان ذلك على حساب قيمة العمل. كما يخطئ من يظن أن السعودة هي مجرد خفض معدلات البطالة في المملكة، حتى لو تزامن ذلك مع انخفاض معدلات الإنتاجية وتدني مستويات الأداء.

اليوم وبعد كل ما تحقق من إنجازات كمية للسعودة بإيجابياته وسلبياته، يجب أن تتم مراجعة قراءته بتمعن من خلال دراسات متعمقة ومركزة وشاملة والوقوف على نقاط قوة البرنامج ونقاط ضعفه وما تحقق وما لم يتحقق على صعيد إنتاجية المؤسسات التي استوعبت السعوديين والسعوديات ومستوى الأداء للموظفين السعوديين وأسباب ذلك.


إنني على يقين أن برامج السعودة الحالية قد استنفدت الغرض منها وبلغت مداها، لأنها عملت بأوسع طاقة استيعابية للعاطلين وبمختلف المستويات التعليمية. خاصة بعدما فتحت الباب للشباب من الجنسين للعمل في القطاعين الحكومي والتجاري، وبعدما أُقفلت مهن بعينها على السعوديين والسعوديات.

حان الوقت للبدء بالمرحلة الثانية من السعودة، مرحلة يجب أن يكون محورها ومنتجها النوعية والجودة. مرحلة يجب أن تجمع بين هدفين: هدف توظيف السعوديين والسعوديات، وهدف آخر هو رفع مستوى الإنتاجية وجودة المنتج. فهل يمكن تحقيق الهدفين معا.. كيف؟

مشكلة أغلب السعوديين العاملين لا تكمن في تأهيلهم العلمي، ولا تكمن في حاجتهم للتدريب على مهارات العمل. مشكلة السعوديين في رأيي ومن متابعاتي، تكمن في ثقافة العمل لديهم خاصة في افتقارهم وحاجتهم للقدرة على تحمل المسؤولية في العمل. وهذه المشكلة يعاني منها كثيرون حتى خارج العمل وفي الحياة العامة.

في ظني لا تستطيع المدرسة بوضعها الحالي تمكين الطلاب والطالبات من تحمل المسؤولية، كما أن الأسرة السعودية لا تستطيع في الغالب تمكين أبنائها وبناتها من تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات حتى التي تهمهم.

من هنا، أعتقد جازما بأن التجنيد الإجباري أو خدمة العلم أصبحت حاجة ضرورية لتمكين الشباب من ممارسة الحياة الطبيعية بخشونتها وقسوتها وإتقان مهن مفضلة وصناعات وحرف مفضلة، إضافة إلى تعلم الثقافة العسكرية وتعلم استخدام كافة أنواع الأسلحة، وهنا يتحقق هدف آخر، وهو تأسيس جيش احتياطي ممن خدموا العلم أو تجندوا تجنيدا إلزاميا ليصبح الشباب بعد التجنيد الاجباري أكثر استعدادا وقابلية وتحملا للمسؤولية وقدرة على اتخاذ القرارات عندما يتولون العمل في مراكز وظيفية أو مهنية في القطاعين العام والخاص ولينافسوا المقيمين بإنتاجياتهم ويتفوقوا عليهم.

هناك تجارب دولية مهمة في هذا المجال، بعضها يعتمد كليا على من خدم خدمة العلم، في الحرب والسلم. ففي الحروب معروف أنه يتم استدعاء الاحتياط أحيانا، أم في السلم، فتعتمد كثير من الدول على شبابها الذين انخرطوا بخدمة العلم خلال سنة أو سنتين، حسب الحاجة والإمكانات.

من الطبيعي أن يكون برنامج التجنيد الإجباري مكلفا، لكن مردوده المادي والمعنوي عال جدا، قياسا بما يتحقق على عدة أصعدة منها بناء أجيال تتحمل المسؤولية وقادرة على اتخاذ القرارات في البيت وفي العمل وفي أي مكان، وبناء جيش احتياطي، وبناء قاعدة مهنية في المجتمع، وهذا في أي دولة.

أما نحن في المملكة فإننا بأمس الحاجة لفرض التجنيد الإجباري على الشباب بعد المرحلة الثانوية، قبل الدراسة الجامعية وقبل الانخراط بأي عمل وظيفي، لبناء شخصية الفرد في هذا الجيل وتدريبه والأجيال التي تأتي من بعده على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات، فضلا عن إجادة المهن المفضلة. وتهذيب وتشذيب السلوك العام وإنتاج ثقافة أخلاقية وطنية عامة بعيدا عن ثقافات الهياط وقيم العنصرية.

أشير إلى أن دولا طبقت التجنيد من دون أن يشمل تأهيلا عسكريا، فهذا ممكن كذلك في حالتنا هنا في المملكة.

أتمنى أن يعود مجلس الشورى لدراسة مشروع التجنيد الإجباري وخدمة العلم وإقراره، وإقرار تفاصيله من حيث أهدافه ومدته، وما إذا كان المناسب هو ما بعد المرحلة الثانوية مباشرة، وربط التجنيد ببرامج السعودة النوعية وليست السعودة الكمية. أعرف أن الشورى قد طرح هذا المشروع قبل عدة سنوات، لكني لا أعرف إلى أين انتهى، خاصة أن الظروف المحلية قد تغيرت وفتحت الكثير من النوافذ خارج الصندوق، للاستفادة القصوى من شباب وبنات الوطن بما يعود بالفائدة عليهم وعلى الوطن.

* كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org