-A +A
هاشم عبده هاشم

* استقبالات الملك سلمان قادة أوروبا تساهم في إنجاح القمة

* استضافة المملكة القمة الثالثة غير مستبعدة تعزيزاً للتعاون


* قادة وزعماء أوروبيون يتوافدون إلى الرياض تعزيزاً للشراكة معها

* مشاركة الدول الأوروبية في «رؤية 2030» وفي استثماراتها.. كبيرة

* مصالح أوروبا مع العرب غير قابلة للتضحية من أجل إيران

* استيعاب القارة الأفريقية في التحالف.. مهم للغاية

•• ينبغي الاتفاق منذ البداية.. على أن العلاقات العربية الأوروبية -في الآونة الأخيرة- ليست في أفضل حالاتها.. وإن كانت هناك جهود صامتة تُبذل من هذا الطرف أو ذاك للمحافظة على المستوى المطلوب لاستمرار واستقرار هذه العلاقة نظراً لأهمية المصالح المتبادلة بين الجانبين.

•• لكن لا يوجد أحد -في هذا الكون- يتحدث عن عدم أهمية قيام أقوى العلاقات بين الطرفين لاعتبارات كثيرة وهامة بحكم التقارب الجغرافي وضرورة ترابط المصالح وتبادل المنافع، وإن احتاج الأمر إلى جهود أكبر من الطرفين لإزالة العقبات التي تعترض طريق العمل المشترك بين الجانبين.

•• وانطلاقاً من هذه الحقيقة.. جاءت مشاركة المملكة في القمة العربية الأوروبية الأولى في شرم الشيخ في الفترة 24 و25 فبراير 2019، بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على رأس وفد كبير.. إيماناً منه بأهمية دعم التوجه بمزيد من الصبر والعمل الدؤوب على تصحيح مسار العلاقات بين الطرفين، لما فيه خير ومصلحة شعوبهما وتعزيز قدرتهما على التعاون بالعمل المشترك والبناء، وتخطي كل ما من شأنه تعويق مسار تعاونهما في الاتجاه الصحيح.

قمة المراجعة للعلاقات العربية الأوروبية

•• وتجسيداً لهذه القناعة بأهمية القمة وضرورة تعزيز التعاون بين الجانبين، فإن خادم الحرمين الشريفين كان واضحاً وصريحاً مع قادة الدول ورؤساء الوزارات والممثلين الذين حضروا هذه القمة، عندما عبر عن تطلع المملكة في أن تسهم نتائج القمة في تعزيز العلاقات التاريخية بين العالم العربي والاتحاد الأوروبي في جميع المجالات، وأن يتم العمل على بناء شراكة حقيقية بين الجانبين لصالح الشعوب والأجيال القادمة.. كمرتكز أساسي لإنجاح هذه القمة.

•• ليس هذا فحسب بل إن خادم الحرمين الشريفين أكد على أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى للدول العربية وأن حلها مهم ليس فقط لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، وإنما للاستقرار العالمي وأوروبا على وجه الخصوص، وذلك بمواجهة أي أطروحات أخرى لا تأخذ في الاعتبار مجمل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المعززة بالقرارات الدولية وآخرها ما يتصل بحل الدولتين واستمرار القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة في أي تسوية قادمة.

•• وكذلك تشديد الملك سلمان وتأكيده على أن ما يقوم به النظام الإيراني من دعم للمليشيات الحوثية وغيرها في المنطقة يتطلب موقفاً دولياً موحداً لحمله على الالتزام بقواعد حسن الجوار والقانون الدولي، ووضع حد لبرنامجه النووي والباليستي، إضافة إلى تجديد دعوات المملكة للحل السياسي للأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية وفقا للمرجعيات الدولية والالتزام بالمعاهدات والأعراف والقرارات الدولية أساساً يُبنى عليه حل النزاعات.

•• ولم يكتف الملك سلمان بذلك، بل أكد أيضاً على أهمية مواصلة العمل المشترك في محاربة الإرهاب، وغسل الأموال، والتأكيد مجدداً على أن العلاقات لا يمكن أن تستقيم بين الدول دون احترام كامل للسيادة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

•• وللحقيقة.. فإن القمة قد أخذت بتلك الأسس والمبادئ وعبّرت في «إعلان شرم الشيخ» عن تأكيدها عليها بنصوص واضحة، سواء تجاه القضية الفلسطينية، أو نحو ضرورة تعزيز التعاون والعمل المشترك بين الجانبين، أو بالنسبة لمواجهة الإرهاب وضرورة مواصلة الجهود المشتركة للقضاء عليه.

تبرير ضعيف لعدم إدانة إيران

•• لكن ما تجنب «الإعلان» الإشارة إليه صراحة، هو الإشارة إلى ممارسات إيران في المنطقة وتهديدها الأمن والاستقرار، واستخدامها الأسلحة المحظورة دولياً، بحجة أن القمة انعقدت بهدف تحقيق توافقات شاملة حول القضايا المركزية المهددة لاستقرار الدول العربية والأوروبية والعالم.. وهي حجة واهية من شأنها أن تبقي على المشكلات الرئيسية الكامنة وراء استمرار حالة عدم الاستقرار، ليس في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وإنما في تعميق الشرخ القائم بيننا كعرب وبين أوروبا الغربية التي سوف لن تكون بمنأى عن الآثار المدمرة لتدخلات الإيرانيين في دول المنطقة وفي استمرار سياساتها المهددة لسلام العالم.. والمسببة لخلافات عميقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول السوق الأوروبية المشتركة، انطلاقاً من الخلافات العميقة حول الاتفاق النووي بين إيران والدول الـ5+1 كما هو معروف وملاحظ تأثيره على مجمل الوضع السياسي والأمني بين الشركاء الرئيسيين في معادلة السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم.

•• هذا الإغفال لموضوع التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة في (إعلان شرم الشيخ)، وإن ظل نقطة خلاف بيننا وبين الأوروبيين بسبب تجاهل النص عليه، إلا أن الكثير من المؤشرات العملية تدل على أن أوروبا تبحث مع بعضها بعضا في كيفية الخروج من هذا المأزق بكل انعكاساته على استمرار التعاون القوى بين دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية.

•• وكما هو معروف فإن الأوروبيين يسعون إلى طرح بدائل تبدو غير مقبولة حتى الآن، مقابل استمرار التزامها بذلك الاتفاق المزعزع للاستقرار.

الشركات الأوروبية لن تضحي بمصالحها مع العرب

•• أقول غير مقبولة ليس من قبلنا نحن الدول العربية.. أو الولايات المتحدة فحسب، وإنما من قبل الشركات الأوروبية الكبرى أيضاً.

•• ذلك أن هذه الشركات لا يمكن أن تضحي بحجم استثماراتها الضخم مع العرب، ونحن في مقدمتهم، أو مع الشركات المماثلة في الولايات المتحدة، مقابل الإبقاء على استثماراتها المحدودة في إيران.. بدليل إيقاف عدد كبير منها تعاملاتها مع الشركات والمؤسسات الإيرانية أو الدولة الإيرانية حتى تبقي على مصالحها الأكبر والأضخم معنا ومع أمريكا.. ومن تلك شركات بترولية.. ونقل جوي.. وتجارة متبادلة.. وسلاح وغيرها.

•• ونحن هنا في المنطقة لسنا على عجل من أمرنا لتصل بعض دول السوق الأوروبية المشتركة إلى قناعة تامة بأن ما تطالب به من تعاون معنا.. وما هي حريصة على الحصول عليه من استثمارات إضافية؛ سوف يتحقق في النهاية في ظل مراجعتها بعض السياسات المالية وتغليبها مصالح دولها وشعوبها الحقيقية معنا، وهي مصالح ضخمة.. وعضوية.. وهيكلية.. ولا يمكن التقليل من شأنها أو تجاهل تأثير انحسارها اليوم.. أو توقفها غداً إذا لم يتم تصحيح المسار لما فيه خير واستقرار وسلام العالم.

•• وهناك مؤشرات إيجابية كثيرة تدل على رغبة وحرص دول أوروبا على سد هذه الفجوة، بعضها واضح للعيان، والبعض الآخر يتم بهدوء وبعيداً عن الأضواء.. ومن ذلك توصل بريطانيا مؤخراً إلى قناعة بضرورة تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية في جميع نشاطاته ودون استثناء، والتعامل معه ومع بقية التنظيمات المرتبطة بإيران بنفس المستوى.. وهو ما أزعج طهران.. وظهرت ملامحه من خلال استقالة وزير الخارجية (جواد ظريف) مؤخراً.. وكذلك من خلال التأثير الكبير لانسحاب عدد كبير من الشركات والمصارف والاستثمارات الأوروبية من إيران على اقتصادها القومي بصورة مباشرة وقوية، وهو ما ستكون له تداعياته الملموسة في وقت ليس ببعيد.

ظروف أوروبا الداخلية تعمق الفجوة مع المنطقة

•• وما عدا ذلك.. فإن العمل جار على تجاوزه في وقت قريب لعدم أهميته في التأثير على العلاقات المحورية بين الطرفين.. باعتبارها أعراضا جانبية لا تلبث أن تزول في ظل الإدراك المتبادل لأهمية وعظمة المصالح المشتركة بين دولنا العربية والدول الأوروبية.. وذلك مرهون بإعادة الأوضاع الداخلية للدول الأوروبية الرئيسية لترتيباتها الداخلية وحالتها الطبيعية وتجاوز المشكلات الراهنة، كما هو حادث الآن في بريطانيا في ضوء خروجها من السوق الأوروبية المشتركة.. وما تشهده بعض الدول الأوروبية الأخرى من مراجعة سياساتها الداخلية وتحسين ظروفها المحلية وانشغالاتها المباشرة بتلك الأوضاع كما هو الحال في فرنسا.. في الوقت الذي يتضح لنا أن ألمانيا الغربية تقوم الآن بمراجعة جادة لبعض أنظمتها وقوانينها ومواقفها دعماً لمزيد من التعاون بينها وبين بعض الدول العربية الرئيسية تعزيزاً لمصالحها مع دولنا وشعوبنا.. ودفعاً لمسيرتها نحو الأمام.

استقبالات الملك قادة أوروبا مؤشر مهم

•• وانطلاقاً من قناعتنا نحن هنا، في المملكة، بأهمية دعم التعاون العربي/‏الأوروبي.. فإن الملك سلمان كان في مقدمة حضور هذه القمة.. وإن مشاركته فيها لم تقتصر على حضور جلساتها.. وإنما حرص أيضاً على استقبال العديد من القادة والزعماء الأوروبيين وفي مقدمتهم رئيسة وزراء بريطانيا (تيريزا ماي) والمستشارة الألمانية (أنغيلا ميركل)، إضافة إلى الرئيس القبرصي، ورؤساء وزراء هولندا، والسويد، والتشيك، وبلجيكا، جنباً إلى جنب استقباله كلا من ملك البحرين، وأمير الكويت، والرئيس العراقي، وبحث معهم أوجه تعزيز هذا التوجه البنّاء.. وإزالة كافة العثرات التي تعترض طريق التعاون الأمثل بيننا وبينهم، والقفز على جميع المشكلات التي ألقت بظلالها على علاقاتهم معنا.. وذلك بالتأكيدات التي تلقيناها منهم جميعاً على أن المملكة تمثل بالنسبة لهم نقطة ارتكاز محورية لتطوير التعاون الشامل مع المنظومة العربية.

•• وبما أن المملكة دولة محبة للسلام.. وراغبة في ترسيخ قواعد العمل المشترك مع الجميع، فإن خادم الحرمين الشريفين جعل أبواب هذه البلاد مشرعة لكل عمل إيجابي يصدر من هذه العواصم وغيرها.. وسوف يجد الجميع منا كل ترحيب بمجرد تصحيح المواقف ومراجعة القرارات أو الإجراءات المتعجلة التي اتخذها بعضها على غير أساس يُذكر في وقت من الأوقات.

هل نستضيف القمة الثالثة؟

•• ولا أستبعد أن تشهد العاصمة الرياض زيارات هامة في المرحلة القادمة من العديد من قادة الدول الأوروبية لتعزيز أوجه التعاون المختلفة معنا وعلى كل الأصعدة الأمنية.. والاقتصادية.. والعسكرية.. والسياسية ورسم خطوط عريضة لتعاون بعيد المدى على أسس استراتيجية مستقرة.

•• وعندما يجتمع القادة مجدداً في بروكسل بعد ثلاث سنوات من الآن.. فإن المتوقع هو أن تكون العلاقات العربية/‏الأوروبية قد شهدت درجة أفضل من القوة والرسوخ، وأن الكثير منها قد استفاد من مشاركتنا في تنفيذ «رؤية 2030» لننطلق سوية نحو مزيد من العمل البنّاء من أجل سلامة الإنسان وإسعاده.. في الوقت الذي تكون الأوضاع قد استقرت بصورة أفضل في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.. وبدأنا نقطف معاً ثمار التعاون الإيجابي المشترك والبنّاء لما فيه خير شعوبنا.. وصلاح أوطاننا.

•• والمملكة العربية السعودية التي تعودت على استضافة القمم الدولية الكبرى وآخرها قمة الرياض العالمية في عام 2018.. لن تتردد في استضافة القمة العربية /‏الأوروبية الثالثة في عاصمة القرار العربي، لما تملكه من وزن وأهمية تدركها دول وشعوب أوروبا وغير أوروبا.. وينطلق هذا الوزن من حرصها على إحلال التنمية والبناء محل الحروب والتوترات والصراعات واستخدام قوى التدمير، أملاً في تحقيق سلام دائم في عالم قلق دمرته الحروب.. وأضعفته التراجعات الحادة لاقتصادات العالم ومصادر قدرتها على البقاء والنماء.

•• ونحن كشعوب عربية نتطلع إلى الدخول في هذه المرحلة من الإعمار.. والالتفات إلى الحقوق الطبيعية للإنسان في مجتمعات يسودها الرخاء.. وتبتعد عن الصراعات.. واستهلاك مقدراتها.. واستنزافها في حروب مدمرة لا نهاية لها.. ولا عائد من ورائها سوى الفناء.. وهو ما لا يجب أن تسمح به عقول الشعوب المؤمنة بحقها في العيش بأمان وسلام.. وبعيداً عن «الأخطار» و«الأهوال» و«المآسي».

أ

همية الالتفات إلى القارة الأفريقية

•• وإذا كان هناك ما أسعدني أكثر فأكثر فهو النص في المادة (3) من (إعلان شرم الشيخ) على ما يلي: «لقد جددنا التزامنا بالعمل الفعال متعدد الأطراف وبنظام دولي مؤسس على القانون الدولي بهدف التعاطي مع التحديات العالمية من خلال زيادة التعاون بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي»، وفي ذلك لفتة في غاية الأهمية إلى القارة الأفريقية التي لا يجب تركها للمجهول لكي تصبح مطمعاً للمغامرات ومغنماً للإرهاب بأشكاله المختلفة.. وأرضية رخوة لانتشار الأوبئة والأمراض وتعميق كوارث الفقر والتخلف.. وبالتالي إضعاف أي تعاون عربي/‏أوروبي غفل عن هذه القارة الهامة.

•• وبكل المقاييس، فإن التقارب بين التكتلات الدولية مفيد للغاية، لا سيما إذا كان هدفه هو تحقيق التنمية المستدامة.. وترسيخ قواعد الأمن في أرجاء الدنيا.. وعلينا أن نتفاءل بهذه البداية وأن نستثمرها بالصورة المثلى.