-A +A
محمد أحمد الحساني
على مدى ما يزيد على أربعة عقود كان صوته الشجي الندي يرافقني مثل غيري من ملايين المسافرين على متن الخطوط السعودية، وهو يتلو على الركاب في بداية الرحلة الدعاء النبوي «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل» كما ظل صوته النقي القوي يطل علينا من خلال الأدعية التي يبثها التلفاز أو الإذاعة على مدى سنوات طويلة حيث لم نزل نسمع ذلك الصوت المؤثر المتجدد على الرغم من خلود صاحبه إلى التقاعد من العمل الإعلامي.

وقبل أيام فوجئت باتصال هاتفي من رقم ثابت فلما فتحت الخط وجدت نفسي أمام صوت لا تنكره أُذْناي وقبل أن أدخل في التوقعات سمعت صاحب الاتصال يقول لي: أنا سَمِّيك محمد أحمد الصبيحي فكان اتصاله بي مصدر سعادة لي لأنني كنت ولم أزل أحد المعجبين به كقامة إعلامية ورمز في سماء الإذاعة والتلفاز سجل وجوده على مدى نصف قرن من الزمان ضمن كوكبة من زملائه المميزين من جيله وفي مقدمتهم الدكتور بدر كريم رحمه الله، ولما أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا فهمت منه أنه أرسل لي عن طريق «عكاظ» منذ نحو شهرين نسخة من كتابه الصادر أخيراً تحت عنوان «رحلة الأيام وذكريات في الإعلام» ولكن «عكاظ» لم تجد وسيلة للاتصال بي لإبلاغي بالنسخة المهداة وأنها موجودة لديها ربما لأن من استلمها لا يعرفني! فقرر الدكتور الصبيحي إرسال نسخة أخرى لي من كتابه عن طريق الصديق المشترك رجل الأعمال المعروف الشيخ عبدالمعطي عبداللطيف.


ولما تصفحت الكتاب وجدته غنياً بالمواقف والذكريات فقد تشرف الصبيحي على حد قوله بمرافقة عدد من ملوك المملكة في رحلات خارجية، وبدأت علاقته بهم مذيعاً منذ عهد الملك سعود رحمه الله ومروراً بالملوك فيصل وخالد وفهد كما عاصر عدداً من وزراء الإعلام منذ عهد عبدالله بالخير حتى الوزير الحالي عواد العواد بحكم عمل الصبيحي مديراً تنفيذياً لاتحاد الإذاعات الإسلامية.

ومن المواقف الطريفة التي سجلها الصبيحي في كتابه أنه كلف في بداية حياته العملية بتسجيل إذاعي لحفل اعتماد الملك فيصل لعدد من السفراء وكانت العادة أن يدخل كل سفير ويقف بين يدي الملك ويلقي كلمة فيرد عليه الملك بالترحيب والقبول وعبْر كلمة مرتجلة، ولكن حصل خلال التسجيل وجود تقطيع في الصوت فسعى الصبيحي إلى إعادة تسجيل كلمة السفير ولما حاول إعادة تسجيل كلمة الملك أبلغه رئيس الديوان محمد النويصر أن الملك لا يرى إعادة تسجيل ما ارتجله ترحيباً بذلك السفير لأنه لا يتذكر ما قاله في كلمته المرتجلة وإنما يكتفي بما سجل مع السفير وإذاعة المقابلة حسب ذلك التوجيه، وبعد مدة جرى الترتيب لاعتماد مجموعة جديدة من السفراء فكلف الصبيحي نفسه بالمهمة فاستعد لها هذه المرة وحضر للديوان مبكراً وبينما هو مُنْهمك في ترتيب إجراءات التسجيل حطت على كتفه يد حانية فلما رفع بصره وجد الملك فيصل يقف وعلى محياه ابتسامة هادئة فهتف الصبيحي قائلاً: أمركم يا طويل العمر فداعبه الملك بقوله: كيف حال مسجلكم؟ فكان رد الصبيحي: عندي اثنان الله يحفظكم!

أما فترة عمله ملحقاً إعلامياً في بريطانيا خلال الفترة بين عامي 1988م - 1998م فكانت زاهرة زاخرة بالعطاء لاسيما أنه كان يقف بجوار رمز ثقافي وإداري ودبلوماسي فخم بحجم الدكتور غازي القصيبي رحمه الله.

إن هذا الكتاب لا يسجل لحياة الدكتور الصبيحي بل هو تسجيل وتوثيق لجزء من تاريخ هذه البلاد الطيبة لاسيما في مجالي الإذاعة والتلفاز والفن والثقافة. وقد كتب بأسلوب سهل ولغة عذبة وبلا تكلف شاكراً لأستاذنا الصبيحي هديته القيمة ومودته الثمينة.

* كاتب سعودي