-A +A
نورة بنت محمد الكعبي
مثلما يتبادل الأشقاء المآثر والمكارم، يحتفل الإماراتيون والسعوديون في الثاني من ديسمبر، والثالث والعشرين من سبتمبر بعيديهما الوطنيين، في مشهد نادر من وحدة المشاعر والأهداف والمصير، يعبر عن عمق الجذور الثقافية والاجتماعية الواحدة، والحكمة التي ميّزت قيادتي البلدين في استلهام ذلك، واستثماره في علاقات مصيرية، رسختها رؤية مشتركة، ووشائج متينة عبر التاريخ.

وحين تحتفل الإمارات باليوم الوطني السعودي، فلا تلخيص أجمل وأكثر دقةً من «معاً.. أبداً» بين شعبين يمتدان على جغرافية واحدة، تتشابه في الخصائص الطبيعية والبشرية التي أنتجت موروثاً ثقافياً وإنسانياً، لا يزال ثرياً ومتصلاً في منظومة من القيم والتقاليد والخصوصية التراثية لحركة الأسلاف عبر البحر والصحراء، ولطموح الأحفاد في العمران والنماء، بين أصالةٍ متجذرة، ومعاصرة منفتحة على الحياة والحداثة، تستند إلى هوية عربية إسلامية، تعتز بمكوناتها، وإسهامها الغني في الحضارة الإنسانية.


لا حدود للقواسم الثقافية المشتركة بين الإمارات والسعودية، وقد شهد البلدان استيطاناً بشرياً في الحقب القديمة، واتصل سكان شبه جزيرة العرب في سياق روحي مع بزوغ الرسالات السماوية، ثم مع نزول الوحي في مكة، وامتداد الإسلام من أقدس بقعة على الأرض إلى جوارها، وإلى العالم.

لقد انتقلت المعارف والعلوم والأنماط المعيشية قديماً بين البلدين، فمناسك الحجّ والعمرة وثّقت الصلات الاجتماعية والعلمية والتجارية، كما هو الحال في انتقال العلماء والأدباء والرحّالة بين البلدين، ولَم يشهد التاريخ انقطاعاً في تواصل المنتج الحضاري بين البلدين، ولا أدلّ على ذلك من ملامح التقاليد في مختلف تفاصيل الحياة العامة، من الفلكلور السمعي والبصري والتراث الشفاهي، إلى اللهجة المحكية، والفنون الشعبية، ودورها في صياغة وجدان الشعبين الشقيقين.

لأجل ذلك وغيره، فإن التنسيق بين الجهات الثقافية حاضر بفاعلية في المؤتمرات واللقاءات الدولية، لاسيما في اجتماعات «اليونسكو»، وقد سعدنا في الإمارات بإدراج واحة الأحساء ضمن قائمة التراث العالمي في اجتماع لجنة التراث الدولي الـ42 في البحرين الشقيقة في يونيو الماضي، لتُضاف إلى مدائن صالح، والدرعية التاريخية، والنقوش الصخرية في حائل السعودية، وكذلك إلى موقع هيلي الأثري، ومدافن حفيت، وواحة العين الإماراتية.

هذه الأبعاد في العلاقة بين البلدين تعاظمت فعلاً مع توقيعهما «إستراتيجية العزم» يونيو الماضي في جدة، وقد تفرعت إلى 44 مشروعاً للتكامل السياسي والاقتصادي، وكذلك «لإيجاد الحلول المبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، وبناء منظومة تعليمية فعّالة قائمة على نقاط القوة، التي تتميز بها الدولتان لإعداد أجيال مواطنة ذات كفاءة عالية».

ويستمر البلدان في جهدهما التنويري لحماية رسالة الإسلام السمحة من الشطط والعنف والتطرف، بإرساء اعتدال الدين الحنيف، وتسامحه، وجوهره الحقيقي المنفتح على الأديان والثقافات، ودعوته للوئام والسلام.

وكلّ يوم وطني ونحن بخير وقوة وأمل، و«معاً.. أبداً».

* وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة بدولة الإمارات العربية المتحدة

(مقالة تنشر بالتزامن مع صحيفة الاتحاد الإماراتية)