-A +A
عبدالله صادق دحلان
قد لا يعلم بعض سكان المملكة عن دومة الجندل وتاريخها وعن مشاريعها النادرة والمتميزة، ولإعادة المعلومة فقط تعتبر مدينة دومة الجندل إحدى محافظات منطقة الجوف وتقع دومة الجندل جنوب غرب مدينة سكاكا التي تبعد عنها نحو 50 كم، وتبعد عن مدينة الرياض قرابة 900 كيلو متر، وعن مكة المكرمة قرابة 1222 كيلو مترا، وهي منطقة أثرية يوجد بها الكثير من المواقع التاريخية والأثرية كقلعة مارد ومسجد عمر بن الخطاب، وتتميز بوفرة مياهها وعذوبتها، وتشتهر بمزارعها ونخيلها، وأهم ظاهرة طبيعية فيها هي ينابيع المياه الجوفية على سطح الأرض التي تهدد المدينة ومزارعها، والحقيقة أن من إنجازات الدولة أنها أنقذت هذه المدينة من الغرق وقامت بإنشاء بحيرة اصطناعية طبيعية لتجميع نحو 8 ملايين متر مكعب على عمق 15 مترا بمساحة 4700 كيلو متر مربع، وربطتها بشبكة تغذية مياه من مصادرها بطول 81 كيلو، ومنذ إنشاء هذه البحيرة قبل 30 عاما استطاعت دومة الجندل أن تنمي مشاريعها الزراعية والثروة السمكية داخل البحيرة بالإضافة إلى تحويل البحيرة إلى منتجع سياحة لأهالي منطقة الجوف بأكملها، ولقد وقفت شخصيا قبل أشهر على أطراف هذه البحيرة الاصطناعية المتميزة واعتبرها إنجازا عظيما لوزارة الزراعة والري وسط الصحراء الرملية.

واليوم وبعد إنجاز هذه البحيرة تفتخر دومة الجندل بأنها ستحتضن أكبر مشروع والأول من نوعه لتوليد الطاقة الكهربائية من طاقة الرياح وذلك بتوليد نحو 400 ميجاواط، ويعتبر هذا المشروع ضمن جهود المملكة وسياستها في تنويع مصادر الطاقة وتحقيق الزيادة المستدامة لحصة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة في المملكة، وذلك تمشيا مع رؤية المملكة (2030) وبرنامج التحول الوطني، وتقدر تكلفة هذا المشروع بنحو ملياري ريال، وسيغطي تغذية نحو 70.000 منزل بالكهرباء في منطقة الجوف، ويعتبر نموذج تنفيذ المشروع متميزا وجديدا من نوعه، وستبني هذا المشروع شركة عالمية متخصصة دخلت المنافسة من ضمن مجموعات سبق تأهيلها بقيادة شركات دولية وإقليمية لتطوير الطاقة المتجددة وهي أكوا باور، وإي. دي. إف الفرنسية، وإينيل جرين باور الإيطالية، وشركة انترناشونال باور - فرع دبي التابع لشركة انجي.


وقد أعلن في الأسبوع الماضي مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة التابع لوزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية عن فتح المظاريف لعطاءات مشروع دومة الجندل بمنطقة الجوف لتوليد 400 ميجاواط كأول مشروع لإنتاج الكهرباء باستعمال طاقة الرياح في المملكة، وأكد المكتب أن فتح المظاريف لا يعني تصنيف العروض وإنما هناك مرحلة تقييم للعروض ومدى التزامهم بالشروط والمواصفات وشروط وثائق طلب العروض، وسوف تتم الترسية في أول ديسمبر 2018، وسيتم طرح المنافسة وفقا لنموذج (منتجي الطاقة المستقلين) (IPP)، وسيتم توقيع اتفاقية لشراء الطاقة الكهربائية من المطور الفائز لمدة 20 عاما لصالح الشركة السعودية وبتكلفة محددة مسبقا تتراوح بين (7.99) (12.71) هللة للكيلوواط بالساعة، ويعتبر أسلوب وطريقة فتح المظاريف في هذه المنافسة الدولية من أكثر المنافسات شفافية حيث تم نقل فتح المظاريف على الهواء مباشرة بمشاركة 350 مشاهدا من خلال المنصة الإلكترونية التي أنشئت خصيصا لإدارة مناقصات مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة، متمنيا أن تقتدي جميع مناقصات الدولة بهذا الأسلوب، كما أتمنى على الشركة الفائزة بالمشروع أن تأخذ في الاعتبار بعض الأمور الأساسية لخدمة المجتمع في محافظة دومة الجندل أو في منطقة الجوف ومن أهمها تدريب وتأهيل وتشغيل أبناء المحافظة والمنطقة على أعمال تنفيذ المشروع وتشغيله، والعمل على تأمين بعض الاحتياجات الأساسية لبناء هذا المشروع من المنطقة مثل لوازم البناء من أسمنت وحديد والكماليات الأخرى، وتسكين العمالة الأجنبية في مساكن قائمة ومتاحة لأصحاب المنطقة أو المدينة والشراء من مراكز البيع المتوفرة في المنطقة لغرض تعميم الفائدة.

إن التجارب القديمة في بعض المشاريع العملاقة لبناء محطات الكهرباء وغيرها من المشاريع كانت محبطة في مجال الاستعانة بالعمالة السعودية بأنواعها، أو في مجال الشراء من المنتجات السعودية، أو في مجال البعد الاجتماعي في المنطقة التي يعملون فيها لإقامة المشروع، حيث كانت بعض الشركات الأجنبية تستورد حتى المواد الغذائية لعمالتها من الخارج، وتبني المجمعات السكنية المتنقلة ثم تعيد تجميعها ونقلها، وكان بالإمكان الاستئجار من المساكن المتاحة لإفادة أبناء هذه المناطق.

إن مشروعا بتكلفة ملياري ريال جدير بأن تستفيد منطقة الجوف ودومة الجندل بثلث قيمة المشروع كمشتريات وتأمين احتياجات من سوق المنطقة، وجدير بأن تكون نصف العمالة أو أكثر من أبناء منطقة الجوف، مؤملا أن تتضمن اتفاقية ترسية المشروع هذه النقاط المهمة.

* كاتب اقتصادي سعودي