-A +A
موسى بن مروي
أزمة التصريحات القطرية، كشفت لنا حجم التباين في الأهداف الإستراتيجية لدول الخليج، وبعد بعض هذه الدول عن الواقعية السياسية في قراءة الأحداث والأخطار المحدقة بالمنطقة والفشل في استيعاب دروس احتلال الكويت، هذا الأمر يدعونا للتساؤل عن جدوى منظمة كمجلس التعاون وتواضع الإنجازات السياسية لهذه المنظمة الإقليمية التي تتغنى بها وسائل الإعلام الخليجية على مدى عقود وحجم الهدر في الموارد ومخصصات مشاريع الاستثمار المشتركة التي خصصت على مدى عقود لصناعة مستقبل أفضل يضمن العيش الكريم للأجيال الحالية والمستقبلية.

ما يشفع لمجلس التعاون على مدى 37 عاما مضت هو تمسك الدول الأعضاء في الماضي بالبعد (في العلن على الأقل) عن كل ما يعكر صفو العلاقة الأخوية بين الأشقاء الخليجيين وتوحيد الخطاب الإعلامي واهتمامه بالإعلان عن التعاون في وجه كل المخاطر المهددة لاستقرار وأمن دوله وتوحيد السياسات والبرامج ضد الأوبة والأمراض والكوارث المحيطة.. إلخ، إلا أن الأزمات السياسية العاصفة في الدول العربية الأخرى، إثر إعصار ما يسمى بـ«الربيع العربي»، كان لها بالغ الأثر في كشف الأجندات المتضاربة بين هذه الدولة وتلك، وتراجع مستوى التعاون بين الدول الأعضاء ودخولها في أزمات بينية الحسن فيها أنها لا تدوم طويلاً حتى يتدخل أحد حكام الدول الخليجية الشقيقة ليتصدى لها وينهي الخلاف بين الدول الأشقاء وفي كل مرة «بحب خشوم»، وما يلبث أن يعود الخلاف على هيئة أزمة جديدة وغالباً للأسباب ذاتها وهو تمسك كل طرف من الأطراف الخليجية بدعم الخط المتطرف من أحد التيارين السياسيين المتصارعين في المنطقة والانغماس في هذا الصراع الأيديولوجي والسياسي الذي كلّف العرب كثيراً على مدى قرن من الزمان ووضعهم في موقف لا يحسدون عليه، أمام أعدائهم التاريخيين اليهود والفرس الذين لم يكتفوا بما احتلوه سابقا من أراضي العرب، بل إن تفكك النظام الإقليمي العربي وضعف مؤسساته حالياً، شجعهم على الاستمرار في تنفيذ سياساتهم العدوانية ونكء الجراح العربية النازفة في أكثر من بلد!


كل ذلك الواقع المرير لا يمنعنا من التفاؤل والأمل بأن ينطلق الحكماء في مجلس التعاون في علاج هذه الأزمة من جذورها ووضع آليات سياسية متفق عليها لحسم الخلافات ومنع وصولها لأزمات متكررة تهدد وحدة دول المجلس التي تعد الحصن الأخير للعرب، فمتى ما نجحت مثل هذه الجهود في قبول كل طرف «خليجي» لـ«الخليجي الآخر»، بعد مكاشفة سياسية تضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية وتدفعهم للاتفاق على رؤية سياسية إستراتيجية واحدة للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي، مستفيدين من الظرف السياسي الذي خلقته مخرجات قمة الرياض الإسلامية الأمريكية التاريخية، متى وصلنا إلى ذلك استطعنا كعرب وضع حد للتدخل الفارسي الصفوي في العراق والشام واليمن.