-A +A
حمود أبو طالب
المسألة ليست تأبين شخصية إعلامية أو رثاءها أو التعبير عن الحزن لوداعها كواجب أخلاقي واجتماعي لا أكثر، وإنما بمثل شخصية الأستاذ تركي السديري رحمه الله نحن نفقد ذاكرة صحافية زاخرة وتأريخا إعلاميا ثريا وتجربة قيادية استثنائية في بلاط صاحبة الجلالة لمدة تزيد على أربعة عقود قضاها في صحيفة الرياض التي ارتبط اسمها باسمه وتأريخها الحديث بتأريخه، بحيث أصبحا متلازمة متشابكة أو معادلة عضوية لا يذكر طرف فيها دون ذكر الآخر بشكل تلقائي.

ليتفق من يتفق مع تركي السديري ويختلف معه من يختلف، إلا أنه في كل الأحوال لا يصبح ممكنا أخلاقيا عدم الإقرار بأنه كان رقما صعبا في تأريخ الصحافة السعودية والخليجية والعربية، رئيسا لتحرير صحيفة بارزة وحاضرة بحضوره فيها مع نخبة من الصحافيين والكتاب المهمين الذين شكلوا كتيبة متميزة يعود له الفضل في تقديمها وإتاحة المجال لها لتكون إحدى بصمات صحيفته التي استمرت في صف السباق الأول مع رصيفاتها حتى رحيله عنها، لتصبح الرياض غير الرياض بدون تركي السديري حتى وإن اجتهد لاحقوه وحاولوا الحفاظ على طابعها ونكهتها وخطها الصحافي. هكذا هي بعض المواقع التي ترتبط طويلا بأسماء، يحتاج الناس إلى وقت قد يطول حتى يستوعبوا انفصال الاسم عن الموقع، وأحيانا قد لا يتخيلون أن الانفصال قد حدث.


لقد شكل تركي السديري مع عدد قليل من زملائه البارزين المؤسسين للصحافة السعودية الحديثة جيلا عاصر أحداثا كبرى وتحولات مفصلية في التأريخ الوطني، وحفلت مسيرتهم بقصص وأسرار ومفارقات وحكايات ومواقف لم يتح لغيرهم معايشتها، وها هو «ملك» الصحافة كما أسماه الملك عبدالله رحمه الله يغادرنا حاملا معه كل تفاصيل تأريخه الطويل دون أن يتاح لنا قراءته موثقا كتجربة صحافية استثنائية، ولعل الموجودين من زملائه يقدمون على ضخ تجاربهم في ذاكرة الصحافة السعودية قبل رحيلهم لأن جيلهم لا يتكرر ومراحلهم لا تتكرر أيضا.

لقد انزوى تركي السديري بصمت بعد أن بدأ المرض ينهشه بشراسة، لكنه ليس مقبولا أن يرحل عنا دون أن يبقى اسمه حاضرا وبارزا بشكل مؤسسي يحفظ تأريخه ويحتفي به.