-A +A
خالد عباس طاشكندي
نشر أحد الدعاة المعروفين والمؤثرين في شبكات التواصل الاجتماعي قبل عدة أيام سلسلة من التغريدات على منبره الرقمي في موقع «تويتر» يشير فيها إلى أن جهاز ألعاب الفيديو الشهير «بلاي ستيشن» به ألعاب تحتوي على قتل وهدم وقنابل واعتداء على حقوق الآخرين، ولو اخترعها مسلم لكان في قائمة الإرهاب، والجيد في الأمر، أنه دعا «أهل التخصص» للوقوف على مخاطر هذه الألعاب.

ففي هذا الصدد، أكدت دراسة علمية مستفيضة عن أثر ألعاب الفيديو العنيفة على سلوك الأطفال وتحصيلهم الدراسي، أنه لا توجد علاقة بين ممارسة الأطفال للألعاب العنيفة واكتساب السلوك العدواني في الحياة الواقعية، أعد هذه الدراسة الباحث اندي برزيلبسكي بمشاركة مجموعة من الباحثين المتخصصين في معهد الإنترنت بجامعة أكسفورد وشارك بها 200 طفل في المراحل الابتدائية، ونشرت نتائجها في مجلة «علم النفس لثقافة وسائل الإعلام العامة» في 2015، وأشارت الدراسة أيضاً إلى أنه لا علاقة بين ألعاب الفيديو التي تحتوي على العنف وأداء الطفل الأكاديمي، وتوصلت إلى أن قضاء قرابة ساعة يومياً في ممارسة ألعاب الفيديو في الواقع قد تعزز السلوك الجيد وتخفض مستويات النشاط المفرط، ولكنها خلصت إلى أنه ينبغي على الآباء الاهتمام الوثيق بمقدار الوقت الذي يقضيه أطفالهم على هذه الألعاب، لأن قضاء أكثر من ثلاث ساعات يوميا قد يجعلهم عرضة لاكتساب مستويات أعلى من السلوك العدواني، بالإضافة إلى تأثر تحصيلهم الدراسي.


ولم تكن هذه هي الدراسة الوحيدة التي خلصت إلى عدم أو محدودية تأثير ألعاب الفيديو التي تحتوي على العنف على سلوك المستخدمين، فقد سبقتها عشرات الدراسات العلمية المعمقة التي تؤكد على ذلك، من بينها دراسة كندية نشرت في العام 2011 أكدت على خطأ الهاجس الشائع عن التأثير السلبي لألعاب الفيديو التي تمتلئ بمشاهد العنف على سلوك الأطفال، وقام الباحثون المشاركون في الدراسة بقيادة الباحثة هولي بوين الأستاذة بجامعة ريرسون في تورنتو، بمقارنة الأطفال الذين يمارسون مشاهدة ألعاب الفيديو والأطفال الآخرين خلافهم ولم يجدوا اختلافاً بين المجموعتين في استعادة الصور السلبية في اختبارات الذاكرة حيث سجلوا نفس المستوى من المشاعر كرد فعل لهذه الصور، وخلصت الدراسة إلى أن «الأشخاص الذين يمارسون ألعاب الفيديو لا يختلفون في الذاكرة والتأثر جسدياً عن غير اللاعبين إذ لم يكن هناك اختلاف في مشاعر أي من المجموعتين عند مشاهدة لقطات سلبية عنيفة»، وتأكيداً على عمق وقوة هذه الدراسة، قامت الباحثة بوين لإثبات هذه الفرضية بتجنيد 122 طالبا وطالبة بقسم علم النفس للمشاركة في اختبار ذاكرة المشاعر، وقام 45 شخصاً باستخدام ألعاب الفيديو في الستة أشهر السابقة للدراسة، بينما لم يلعب أي من الـ77 الباقين ألعاب فيديو، وتوصلت الدراسة إلى عدم وجود فرق بين المجموعتين (التي تمارس ألعاب الفيديو العنيفة والتي لا تمارس أي ألعاب فيديو) في تسجيل نفس مستوى التأثير الجسدي والعاطفي والنفسي.

وفي 2015 وقَّع أكثر من مئتي باحث أكاديمي حول العالم خطابا مفتوحا ينتقدون فيه نتائج دراسة صدرت عن جمعية علم النفس الأمريكية، تضمنت نتائجها وجود علاقة بين ألعاب الفيديو والعنف والسلوك العدواني، وخلصت الدراسة إلى أنه لا يوجد «عامل خطورة فردي» يمكن الاعتماد عليه في إثبات أن ألعاب الفيديو العنيفة هي المسؤولة عن العدوانية ولكنها أشارت ضمنياً إلى أن تلك الألعاب ربما تؤثر سلبا على السلوك الاجتماعي السليم وتقلل من التعاطف مع الآخرين وتحد من حساسية الفرد تجاه العنف، وهو ما دفع عددا كبيرا من الباحثين المتخصصين إلى انتقاد هذه النتيجة، حيث قال البروفيسور مارك كولسون، أستاذ علم النفس في جامعة ميدل إيسكس البريطانية، في خطاب أرسله مع مئات من الأكاديميين إلى قناة بي بي سي: «لا يوجد أي دليل علمي يربط بين ألعاب الفيديو العنيفة والسلوك العنيف في عالم الواقع»، وأضاف أنه «إذا مارست لعبة الفيديو Call of Duty -وهي إحدى الألعاب التي تحتوي على العنف- لثلاث ساعات، ربما تشعر بأنك متحمس بعض الشيء، لكنك لن تقدم على سرقة شخص ما بالإكراه»، وأكد الباحثون المعترضون على نتائج الدراسة الأمريكية أن الدراسات العلمية تؤكد أن ألعاب الفيديو العنيفة لا تعزز السلوك العدواني.

بل توصل رئيس قسم علم النفس بجامعة ستيتون الأمريكية البروفيسور كريستوفر فيرغسون من خلال دراسة علمية نشرت في 2014 إلى أن نسبة صفر% هي ما يمكن وصفه لعلاقة ألعاب الفيديو العنيفة بالعنف اليومي الذي نشاهده بالعالم، وأن ألعاب الفيديو لا تشجع على العنف أكثر من كونها تعطي للإنسان خيارات أخرى بتفكيره بعيدا عن ما يؤمن به، وأن العقل البشري هو ما يحدد توجهات الإنسان وتصرفاته دون تأثير من وسائل الترفيه حتى العنيفة منها، وحول هذه النتائج، نصحت الجمعية النفسية والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال الآباء والأمهات بالاهتمام بمراقبة ألعاب الكمبيوتر التي يمارسها أبناؤهم والمدة التي يقضونها في هذه الألعاب، وأنه قد يكون أفضل حل بدلاً من حرمانهم.

إذن.. هذا هو قول «أهل الاختصاص» ونتائج دراساتهم العلمية، وليت الداعية المذكور يطلع على هذا المحتوى، ويبحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف خلف ظاهرة الإرهاب، فالواضح أمامنا الآن أن «البلاي ستيشن» ليس هو من يزين للمراهقين والشباب هذه الآفة ليوقعهم في براثنها.