-A +A
إبراهيم أبو ساق
تكمن أهمية الصورة الذهنية في قدرتها على التأثير في الرأي العام السائد في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ تستطيع الصورة الذهنية الإيجابية عن الدولة أو المنظمة أو الفرد تخفيف ضغط الرأي العام لتجاوز العقبات ومواجهة التحديات.

نحن ندرك بأن من لا صورة له لا وجود له، ومن لا يملك صورة واضحة المعالم وإيجابية فهو بلا تأثير، بل وعرضة لأن يختطفه الآخرون، في عالم أصبحت «الصورة» لها تأثيرها على عاطفة ومخيلة ورأي المستقبلين، إذ أصبحت الصورة أكبر تأثيرا من تصريحات رئيس أو مسؤول. والصورة لأي دولة هو ما يفهمه ويصدقه الرأي العام في كل مكان، حتى وإن كان أساسها ذا أيديولوجيا مناقضة للآخرين. وغالبا ما يتم تكريس الصور المزيفة إعلاميا أو تشويه الصور الناصعة للوصول لأهداف مشبوهة، فالصورة الذهنية أصبحت هي الحق الفاضح، وهي أيضا مصداقية من لا مصداقية له.


المتابع لتقلبات وتناقضات الأحداث في العقد الأخير يجزم بأن صورة المملكة مستهدفة منذ أحداث سبتمبر 2001. ومن المؤسف جدا، خاصةً في السنوات القليلة الماضية، أن نرى في كل يوم ما يثبت لنا ذلك مرارا وتكرارا، ومن المؤسف أيضا أننا نعتمد على ردة الفعل، غير مبادرين بشكل مستدام. كما أنه من الخطأ أن تركن مهمة كهذه للجانب الدبلوماسي فقط، فالصورة لها تأثيرها التجاري والسياحي والإعلامي والثقافي والأكاديمي وحتى العسكري. التحدي الأكبر ليس مرتبطا بالدول ذات القوى المركزية بل بالدول متعددة القوى وخاصة الغربية منها. فصورتنا وتفاعلنا يحتم علينا أن نتعامل بحرفية أكبر مع المجتمعات الديمقراطية، ومن هنا نجد الإعلام في هذه الدول أكثر فتكاً ما لم نطور وسائل أخرى غير الدبلوماسية للتفاعل معه.

على سبيل المثال الموقف الأخير لبعض وسائل الإعلام البريطاني من المملكة وخاصة الـ «بي بي سي»، لماذا تم تغييب الجانب المدافع عن صورة المملكة في الإعلام البريطاني؟ السبب واضح وبسيط، تم تغييب هذا الجانب لأنه غير موجود! اعتمادنا الكامل مركون إلى الجانب الدبلوماسي الذي لا يمكنه أن يخوض معمعة القيل والقال ومزايدات الإعلام. إذن لماذا لا نوجد جانبا مدافعا عن المملكة كذراع مساند للدبلوماسي؟ وكيف؟

هناك دولتان لا نحتمل أن نهمل صورة المملكة فيهما، الولايات المتحدة وبريطانيا، ففيهما أهم وأكبر المؤسسات الإعلامية التي يمتد تأثيرها للعالم، ففي حين تعج المؤسسات البحثية، خاصة الجامعات، ومراكز الفكر الإستراتيجي بالمراكز البحثية المتخصصة في شؤون دول يهمها تشويه صورة المملكة مثل إيران وإسرائيل، لا يوجد مركز أبحاث أو مركز للفكر الإستراتيجي المتخصص في الشؤون أو الدراسات السعودية ذو حضور إعلامي مؤثر. مثال آخر، ففي ذات الجامعة التي أعمل بها، جامعة لندن، يوجد عدد من المراكز البحثية المتخصصة، إن لم تكن في الشؤون الإيرانية، فهي في الدراسات الفارسية، وإن لم تكن في الشؤون الإسرائيلية، فهي في الدراسات اليهودية. هذه المراكز متواصلة بشكل مستمر مع الإعلام وبها أكاديميون وخبراء بارعون في تعزيز ما يناسبهم وانتقاص ما يعارضهم.

خط الدفاع الأول لصورة أي دولة ليس الدبلوماسيين ذوي الصفة الرسمية، بل الأكاديميون وأهل الخبرة ممن يملكون المصداقية والمرجعية البحثية التي لا يشك فيها المتلقون من الجمهور. إن خطوط الحماية والتعزيز لأي صورة يتم صناعتها بفكر غير نمطي يحصر جهوده في مهاجمة أو انتقاد جهة إعلامية معينة أو إعلامي محدد. وخطوط الطول والعرض لأي صورة ترسمها كل مؤسسات المجتمع ولكن يتم ترتيبها وتقديمها عن طريق جهة أو هيئة تعمل على تطويرها وتوجيهها، وتصنع في كل تقاطع لخطوطها قبسا يضيء بعطائها ويبوح بمبادراتها السلمية على مستوى العالم، وكلنا نعرفها!

هل ندرك حجم التكلفة التي تدفعها وستدفعها المملكة بسبب إهمالنا وتخاذلنا عن إيجاد إدارة أو هيئة تعنى بالعمل على صناعة وإدارة صورة المملكة في الخارج؟ لنتذكر أنه لا توجد صورة أزلية إلا لمن تقاعس عن تطويرها وحمايتها.

* جامعة لندن