-A +A
عزيزة المانع
(فيا دارها بالكرخ إن مزارها،،، قريب، ولكن دون ذلك أهوال)

يشير الناس إلى احترام الذات فيتحدثون عنه كما لو كان أمرا ميسورا في متناول كل أحد، لكنه في واقع الأمر ليس كذلك، فحاله كحال بيت الحبيبة في عين العاشق الواله، يلوح له قريبا منتصبا أمام عينه، ولكن هل يمكنه الدخول إليه؟!!


بعض الأشياء تبدو لنا أحيانا سهلة المنال، طالما نحن ننظر إليها عن بعد، حتى إذا ما اقتربنا منها وأردنا نيلها فعلا، تبدى لنا ما فيها من عسر ومشقة. واحترام الذات هو أحد هذه الأشياء التي تبدو لكثيرين سهل الحصول عليها، لكنه في الحقيقة عسير المنال، فاحترام الذات يقتضي أحيانا التضحية، ومعايشة بعض الحرمان، وملامسة شيء من المشقة، لذا فإن الذين يتشبثون باحترام ذواتهم هم غالبا أقل عددا من أولئك الذين لا يعنيهم الأمر.

احترام الذات يبدأ في التكون لدى الفرد منذ الطفولة بدرجات مختلفة، يحددها نوع التنشئة التي يتلقاها الفرد، وهذا ما يجعل الناس يتفاوتون فيما بينهم في درجات احترامهم لذواتهم. كلما انخفض احترام الإنسان لذاته، انخفضت مبالاته بما يقوم به من أنواع السلوك، والعكس صحيح أيضا، فكلما زاد احترام الإنسان لذاته، حرص على انتقاء سلوكه والارتقاء به، بعيدا عن كل ما لا يتفق مع القيم والمبادئ الأخلاقية التي تشربها عبر نشأته.

كما أن احترام الذات يختلف من فرد لآخر، هناك من يكون احترامه لذاته مبنيا على رأي الناس فيه، وهناك من يكون احترامه لذاته مبنيا على ما يظنه هو في نفسه، وغالبا يرتبط سلوك الفرد بالمرجعية التي ينبثق منها احترامه للذات، فمن كان احترامه لذاته مبنيا على رأي الناس فيه، تجده غالبا يميل إلى التشبث بالمظاهر التي يظنها تجلب احترام الآخرين، كفخامة الزي والسيارة والمنزل والأثاث، والإسراف في الحفلات والتباهي بما يقدم فيها، وادعاء صداقة بعض الرموز في المجتمع أو القربى لهم، وما شابه ذلك من مظاهر يبرهن بها على وجاهته أو ثرائه، ظنا منه أنها تحفز الناس على احترامه.

أما من كان احترامه لذاته مبنيا على ما يظنه هو في نفسه، فإنه غالبا يلتفت إلى ذاته فيحرص على الارتقاء بها بعيدا عن الشوائب التي قد تشوهها، فتجده دائم المراقبة لتصرفاته، شديد الحرص على أن لا يأتي من التصرفات سوى ما يليق بذاته التي يحترمها، وفي سبيل ذلك غالبا ما يبتعد عن أمور كثيرة يقبل عليها غيره، لأنه يرى فيها ما يقلل من قيمة ذاته، وقد يفوّت على نفسه متعمدا بعض المكاسب المادية التي ينالها غيره، غير مبالٍ بذلك، لأنه يدرك أن تلك المكاسب لا تصل لصاحبها إلا بعد أن يبذل من أجلها ثمنا باهظا يقتطعه من احترام ذاته.