في عالم التواصل الرقمي، ظهرت المساحات الصوتية في منصة X إضافةً واعدةً تعِد بإعادة الحيوية إلى النقاشات الحيّة المباشرة، فتسمح للمستخدمين بالتواصل الصوتي الفوري حول موضوعات عدة، من ثقافية وفكرية وسياسية إلى الترفيه والتسويق إلخ، ومع ذلك، تبيّن أن هذه الخاصية التي وُصفت في بداياتها بأنها فضاء للنقاش الهادف، سرعان ما دفعت الكثيرين بمحتوى عكسي، يهدّد جدوى وجودها ويطرح سؤالاً محوريّاً: هل هي منصات للنقاش أم هدر للغة وللوقت؟
حقيقة لست من روّاد هذه المساحات، ولكن تمر عليّ أحياناً تسجيلات لمساحات تثير فضولي لسماع ما بعدها لعل وعسى أن تكون مفبركة أو مجتزأة؛ بسبب لغة الحوار وانحدار المستوى اللفظي فيها لأتفاجأ أنها صحيحة وأحياناً من أسماء معروفة، هذا فضلاً عن كم التحريض والتخوين والتشويه المتفشي في هذه المساحات خصوصاً بعد الاستحواذ الأخير على المنصة وتراخي قوانين الضبط اللفظي والأخلاقي فيها، ومن أبرز السلبيات التي برزت خلال تفاعل المستخدمين مع المساحات الصوتية انتشار السجالات غير المفيدة، واستخدام لغة متردية ومسيئة، الأمر الذي دفع تحذيرات قانونية وإعلامية من تبعات مثل هذه الانزلاقات من سب وشتم وتنابز بالألفاظ النابية خارج إطار الاحترام والذوق العام، ما يطرح خطر الوقوع المتكرر في مخالفات الجرائم المعلوماتية ذات التأثير الكارثي عند بث مثل هذه السلوكيات على الملأ.
وتتفاقم المشكلة في ظل تنوع المشاركين وعدم ربطهم بروابط قوية أو ضوابط نوعية واضحة، ما يجعل المساحة الصوتية بيئة مفتوحة أمام من يسعى لإثارة الجدالات العقيمة أو التصعيد النزاعي بدل الحوار البناء. وفي غياب قدر كافٍ من الرقابة الذاتية أو الفعلية، تتحوّل هذه اللحظات الصوتية إلى ما يشبه الساحة المفتوحة غير المنظمة، لاجترار الكلمات الساخنة دون تبصر أو آلية فاعلة لضبط جودة الخطاب.
تضطلع الهيئة العامة لتنظيم الإعلام بدور محوري في صون المشهد الإعلامي بالمملكة، عبر ضبط المحتوى المرئي والمسموع، ووضع أطر تنظيمية توازن بين ما ينشر والمسؤولية عما ينشر لتحمي القيم الوطنية، وتكبح الفوضى الرقمية، بما يرسّخ إعلاماً رصيناً يعكس هوية المجتمع السعودي، ولكن -أيضاً- يبقى الرهان الحقيقي معقوداً على كُتّاب الرأي والإعلاميين في استعادة هيبة الكلمة، وكبح النزف اللفظي في الفضاءات المفتوحة، عبر خطاب واعٍ ومسؤول، يعلّي قيمة الحوار، ويعيد توجيه المساحات من الضجيج إلى المعنى، ومن الفوضى إلى التأثير الإيجابي الرشيد.


