-A +A
محمد مفتي
في أعقاب الهجوم الدامي على مركز كروكس بإحدى ضواحي روسيا والذي خلف عشرات القتلى والجرحى، تباينت الآراء والدوافع المحتملة التي تقف خلف هذا الهجوم، فما بين فوز الرئيس الروسي بوتين بولاية رئاسية خامسة وما بين تنظيم يسعى لإعادة إحياء أنشطته التي تم تحجيمها كثيراً، وما بين اتهام روسي لأوكرانيا بأنها من قام بالتخطيط لهذه الهجمات الانتقامية، تؤكد غالبية المصادر الاستخباراتية والإعلامية الغربية على أن داعش خراسان هو من قام بالتخطيط والتنفيذ لهذه الهجمات.

لقد صرح الرئيس الروسي بوتين أن تنظيماً متطرفاً هو من وقف خلف تلك الهجمات، ولعله من المحتمل ألا يفصح أعضاء التنظيم عن أهداف واضحة لهم أو مطالب خاصة يبغونها من وراء هذا الهجوم، فالتنظيم يسعى لتمييز نفسه عن بقية التنظيمات الإرهابية المتشددة بأن يصبح الأكثر دموية وإرهاباً من بين بقية التنظيمات الأخرى المتشابهة، كما أنه يسعى لأن يصبح التنظيم الأكثر قدرة على بث الرعب في نفوس الجميع، لينفذ عملياته الإرهابية بطريقة عابرة للحدود بحيث يصل لكافة أرجاء العالم، وقد تكون روسيا هي البداية.


ومن الملاحظ أن التنظيم الذي يتمسح في الإسلام لم يتوقف يوماً عن ارتكاب العديد من المجازر التي يرفضها تماماً الدين والعقل والإنسانية، والمتتبع للكثير من العمليات الإرهابية التي قام بها أعضاء هذا التنظيم يجد أن ضحاياه هم دوماً من الأبرياء، فبعكس الحروب النظامية التي تخوض خلالها الجيوش العسكرية مواجهات منظمة بين عسكريين مدربين؛ يسعى داعش لاستهداف الأبرياء المدنيين، فخصوم داعش هم ضحايا قادة هذا التنظيم المختلين عقلياً، وهم من يدفعون ثمن حمق زعمائه وتكلفة مغامراتهم الخبيثة.

لعله من الصعب تماماً حصر كافة العمليات الإرهابية التي قام تنظيم داعش بفروعه المتعددة بارتكابها، والتي أسفرت بوضوح عن أن جنود هذا التنظيم هم مجموعة من المرتزقة المأجورين الذين تحركهم المغريات المادية، ويسعى التنظيم بشكل مستمر لتجنيد المزيد منهم، كما يسعى لدمجهم في نسيج الكثير من المجتمعات كمجموعة من الخلايا النائمة التي يتم توظيفها في الوقت المناسب لتقوم بتنفيذ العمليات الإرهابية المطلوبة منها وقت الحاجة، وقد يتساءل البعض عن كيفية تجنيد هؤلاء في عصرنا الحديث، لتظهر الإجابة باعتراف الكثير ممن تم إلقاء القبض عليهم بأن التنظيم قام باستقطابهم من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي مقابل مغريات مادية.

من الواضح أن مسؤولي هذه التنظيمات الإرهابية يقومون بتحليل سلوك أفراد العديد من رواد هذه المنصات ولاسيما المرشحين منهم لتبني الفكر المتشدد، وبعد أن يقوموا بدراسة سلوكياتهم المختلفة وتتبع أنشطتهم على شبكة الإنترنت يقومون باختيارهم بعناية وإغرائهم لتنفيذ الأعمال الإرهابية المطلوبة منهم، ومن الجلي أنهم يختارون الأفراد العاطلين عن العمل أو أولئك الذين يُظهرون آراءً متشددة ويبدون تعاطفاً مع الفكر الإرهابي، وتتميز حياتهم بالاضطراب وعادة ما يكونون خارجين عن القانون، فجميعهم مادة خام مناسبة تماما للانضمام لتنظيم إرهابي، ويجمعهم جميعاً العديد من العوامل المتشابهة سواء على المستوى الفكري أو المادي أو الاجتماعي.

ما يؤكد صحة ما سبق هو اعترافات الجناة أنفسهم، فالكثير من العمليات التي قام أعضاء تنظيم داعش بارتكابها (مثل مذبحة الأقباط في ليبيا، أو مذبحة مطعم رينا في إسطنبول، أو مؤخراً في قاعة حفلات إحدى ضواحي موسكو) تم ارتكابها بحثاً عن العائد المادي، وهو الاعتراف الذي أدلى به أحد المتهمين في مجزرة مركز كروكس، حيث شارك في ذلك مقابل نصف مليون روبل روسي -أي خمسة آلاف دولار- معترفاً بأنه قد تم اختياره من خلال إحدى منصات التواصل الاجتماعي، وأكد على أن بعض المجهولين هم من قاموا بتزويده بالسلاح اللازم لتنفيذ العملية.

من المؤسف تماماً أن يسعى هذا التنظيم الدموي لارتداء عباءة الدين والزج به في عملياته الإرهابية، ومن الملاحظ أن جنود وأتباع داعش ليسوا جنوداً نظاميين كما يحلو للتنظيم تصويرهم، بل هم مجموعات من المرتزقة الذين يتم استدعاؤهم وقت الحاجة، وهم يتلقون أجورهم عقب كل عملية إرهابية على حدة، ومن يتعاملون معه هو طرف غير معروف لهم وهم لا يعرفون سوى كنيته، وهو من يعطي التعليمات ويمنح الأجور فحسب، ولعل تلك الحوادث المروعة هي جرس إنذار يُنْبئنا بمدى خطورة منصات التواصل الاجتماعي إذا أسيئ استغلالها، فالمستهدف هم الشباب المتحمس للقيام بعمليات إرهابية ضد دولهم.