-A +A
خالد السليمان
أغلب الذين عرفتهم من أصدقاء لم تغيرهم المناصب أو تبدلهم ألقاب المعالي، إلا واحد تحوّلت معاملته فجأة إلى الرسمية ولم يعد يبادر بالتواصل أو حتى الرد على رسائل التهنئة بالمناسبات التقليدية!

ولأن رصيد علاقتي بأي إنسان هو التعامل الإنساني متجرداً من أي مصلحة أو وجاهة، فقد أسدلت الستارة على علاقتي به منذ ظهرت بوادر تغير شخصيته، فلا شيء يجبرني على قبوله أو تحمله أو الحاجة له، المسكين يظن أنه مخلد في منصبه أو أن لقب المعالي سيؤمن له وجاهة أبدية، وغاب عنه أن ما يحفظ للإنسان مكانته في المجالس وقيمته في النفوس هو التواضع وحسن الخلق وطيب المعاملة، أما من تغيرهم رياح المناصب فستعلق مراكبهم في المياه الراكدة ما أن تتوقف الرياح عن تحريك أشرعة مناصبهم!


اليوم تجد مسؤولين سابقين ما زالوا في ذاكرة المجتمع، يقابلون بالحفاوة والإكرام أينما حلوا لأنهم صنعوا لأنفسهم سيراً عطرة في الوفاء بمسؤولياتهم والإخلاص في أعمالهم والتواضع في معاملاتهم، فتستقبلهم الوجوه ببشاشة وتعبر لهم الألسن عن مشاعر محبة وتقدير صادقة!

قد يكون المعالي للبعض لقباً يمنحه المنصب، لكن المعالي التي تبلغ المعالي في نفوس الآخرين لا تصنعها المناصب بقدر الأخلاق الرفيعة والسجايا الحميدة والتواضع في المعاملة والوفاء في العلاقات الإنسانية، فمن نقصه من ذلك شيء لن يعوضه منه منصب عابر يعبره الزمن ذات يوم طال أو قصر أو لقب ساحر يطفئ سحره زوال الكرسي، إلا عند المنافقين الذين تأسرهم العبودية لأهل الجاه والمال ويستمتعون بالتمرغ في وحل الوضاعة، ورأس مالهم مقعد في طرف مجلس أو سفرة طعام!