-A +A
حمود أبو طالب
وضعٌ خطير الذي يحدث في البحر الأحمر، والأخطر منه ليس تبعاته فقط وإنما أيضاً طريقة التعامل معه دولياً، وأمريكياً في المقام الأول. منذ تصعيد الحوثيين لهجماتهم انخفض عدد السفن التي تُبحر عبر الأحمر إلى النصف، وبدأت بعض شركات النفط والشحن توقف مرور ناقلاتها عبره، وتراجع العائد الدولاري لقناة السويس بمقدار 40%، وسوف تحدث أزمة عالمية في سلاسل الإمداد قريباً لأن نسبة كبيرة من التجارة العالمية تمر من خلاله. انتظر العالم ما الذي يجب أن يفعله المجتمع الدولي لإنهاء هذه الأزمة، لكن كل الذي حدث هو هجمات جوية أمريكية محدودة على بعض مواقع الحوثيين، لم تردعهم وإنما جعلتهم يمارسون مزيداً من التصعيد باستهدافهم مزيداً من السفن، ما جعل وزارة النقل الأمريكية تحذر السفن من الملاحة في البحر الأحمر.

مؤخراً أعلنت البحرية الأمريكية عن ضبط مركب إيراني متجه إلى سواحل اليمن يحمل شحنة أسلحة من ضمنها رؤوس حربية لصواريخ باليستية وأجهزة توجيه وصواريخ كروز، طبعاً ليست هذه هي الشحنة الأولى التي يتم ضبطها فقد سبقتها شحنات عديدة من نفس المصدر، لكن هذه الشحنة تأتي بعد الهجوم الأمريكي على الحوثيين، وتحمل إشارة واضحة مفادها عدم الاهتمام بذلك الهجوم والتأكيد على الاستمرار في استهداف السفن وتصعيد الأزمة، وعلى إثر ذلك خرج مستشار الأمن القومي الأمريكي بتصريح باهت مفاده أن أمريكا لا تنوي المواجهة مع الحوثيين، لكنها تريد ردعهم فحسب، فإذا كان اختبار الهجمات الجوية لم يردعهم فما هو نوع الردع المؤثر بمقياس الحسابات الأمريكية.


نستطيع القول إننا لا نتوقع شيئاً أكثر من أمريكا خصوصاً في هذه الفترة التي بدأت فيها حمى الانتخابات الرئاسية التي تحدث في مشهد داخلي يتصف بكثير من التعقيد والاختلاف الحاد تجاه السياسة الخارجية الأمريكية بين الحزبين المتنافسين. الوقت غير مناسب لاتخاذ قرارات كبرى، ولن يتجاوز الأمر أكثر من تسجيل الحضور ببعض الإجراءات والاستعراضات المحدودة التي لن تتعامل مع جوهر الأزمة وسببها الأساسي، فالملف الإيراني ستستمر أهميته في المشهد الانتخابي القادم ولن يغامر الحزبان المتنافسان باتخاذ توجه مبكر تجاهه، كما أن ملف الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية الذي شهد أخطر تصعيد باندلاع حرب غزة لن يشهد تحولاً مهماً لأن إسرائيل رقم صعب في الانتخابات الأمريكية. ما الذي نستخلصه إذاً من كل ذلك؟.. لا شيء أكثر من استمرار أزمة البحر الأحمر بين تصعيد وتهدئة، لأن تخصص أمريكا الذي تتميز به هو إدارة الأزمات بعد تهيئة الظروف لنشوئها.