-A +A
نجيب عصام يماني
المعاناة التي عشناها زمناً ودفعنا ثمنها أحلى سنوات عمرنا بعد أن ارتهنا لفكر صحوي أسود نفث في وجداننا كره الحياة وفقد القدرة على التعاطف مع الجمال.

زمن غُسلت فيه أدمغتنا بمخرجات صحوية حرّمت الحلال وأرجعتنا الى جاهلية مقيتة. ثلاثون عاماً عشنا فيها القسوة والشك والخوف والحيرة.


أصوات تتلون وألسنة تكذب ودموع تماسيح تسح على خدود تنطق بالعافية كابوس مفزع جثم على صدورنا وخنق الحياة في صدورنا نتذكر تلك الأيام المقيتة بأفكارها الملوثة التي عطلت عقولنا ودمرت نفوسنا وصورت لنا أن الحياة كريهة وأن المرأة رجس، وأن الموسيقى تدخل إلى النار، وأن الآثار كفر وضلال، وأنهم وحدهم الفرقة الناجية وأننا من أصحاب النار،

وطال الانتظار ونفد الصبر وبرفقته ازداد التوتر واستقر الخوف.

ومرت الأيام، ودارت الأيام، وأراد الله لنا خيراً فقيّض لنا من دمرهم، وقال لنا إن الحياة جميلة، وديننا وسطي معتدل، يتنافى تماماً مع فكرهم الهمجي الذي اعتاد التزمت ومراقبة نوايا الآخرين ومصادرة مكامن الجمال.

وصدق ولي عهدنا الأمين وعده بأننا سنعيش حياة طبيعية تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة ونتعايش ونساهم في تنمية وطننا والعالم من حولنا.

نسجد لله شكراً أننا جيل سنوات الغفلة والحرمان قد شملتنا هذه الرؤية وعشنا فصولاً جميلة نستقي منها ما يخفف عنا تلك المعاناة الرهيبة وينسينا قسوة رجالها وتحكمهم في رقابنا وتدخلهم في نياتنا.

لتطمئن قلوبنا على مستقبل وطننا الغالي وعلى من سيأتي بعدنا من أجيال واعية تلبستها روح الرؤية المباركة وأفكارها.

يقول عرّاب الرؤية «لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل نريد أن نضيف شيئاً جديداً للعالم، فالكثير من المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، ذات طابع سعودي، فإذا أخذنا العلا على سبيل المثال، فهي موجودة في السعودية فقط، لا يوجد أي نموذج مثلها على هذا الكوكب».

من هذا المنظور المتفهم لطبيعة الحياة وإعمار الكون عادت الحياة لهذه المنطقة ونفخت في روحها الرؤية المباركة لتمنحها الحياة وتسعد بالكثير من الاهتمام والتقدير وتزيد معرفة العالم بها وبآثارها ويكون موقع الحجر الأثري أول موقع للتراث العالمي لليونسكو. وتشهد أرض الحضارات والأصول الثقافية انطلاق أعمال قمة العلا العالمية للآثار التي جمعت المختصين والخبراء في مجال علم الآثار من حول العالم للتحاور حول أهمية التراث الثقافي مؤسسة لمرحلة جديدة لإثراء مشهد علم الآثار وتعزيز الحفاظ على الإرث الثقافي العالمي والارتقاء به بعد أن عامل الصحويون هذه المنطقة التاريخية المُثقلة بحضارتها القديمة وإرثها الإنساني وكل تراثنا الثقافي والديني والتاريخي بمنتهى القسوة والهمجية فطمسوا معالمها وصوبوا نيران حقدهم على منحوتاتها وسط تهليلهم وتكبيرهم بزعمهم القاصر أنها أصنام وتماثيل وأنها منطقة ملعونة محرم دخولها وزيارتها. مبلغ علمهم ما رواه ابن عمر «مررنا مع رسول الله ﷺ على الحجر، فقال لنا لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين، حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم»، وهو حديث آحاد ظني لا يفيد القطع إي العلم ولا يؤخذ به في أمور العقائد التي الأصل فيها التواتر والقطع واليقين. وكعادتهم يتمسكون بكل حديث ضعيف ومكذوب ومردود لمصلحة مسألتهم، فتم حظر الدخول إلى هذه المنطقة الزاخرة بالآثار لأمم سادت ثم بادت واستغلالها لصالح السياحة وصدرت فتاوى التحريم من كل شق وطرف دون التحقق من صحة الحديث ومرتبته ودون إعمال العقل وتغليب منطق المصلحة العامة وتطبيق مقاصد الشرعية وإعمالها كما فعل سيدنا عمر في الكثير من الأمور التي صادفته أثناء فترة حكمه.

اليوم ومن نافذة الرؤية أصبحت الآثار النبطية، مزاراً سياحياً ورافداً اقتصاديّاً مهماً للاقتصاد السعودي مما يؤكد أن رؤية المملكة ماضية بكل اقتدار في تنزيل إستراتيجياتها على أرض الواقع، بما يعزز مكانة المملكة على خارطة السياحة العالمية، من واقع ما تمتلكه من مقومات سياحية فريدة لا توجد إلا على هذه الأرض الطيبة، ومزايا طبيعية وحضارية تؤهلها لتصدر المشهد السياحي عالمياً.

الشكر والتقدير والامتنان لمبدع الرؤية الفذّة، التي غيّرت الملامح، وقلبت الموازين، وأعادت تشكيل وطننا على نحو يواكب التطوّر، ويتسنّم قيادة أمته، كفاء موقعه وتاريخه وحضارته، وكأنّنا نعيش بحق معركة جديدة تماثل معركة التوحيد التي قادها «المؤسس» طيّب الله ثراه، ونحن نعيش أحلى أيامنا نقول بصدق الحمد لله.