-A +A
بشرى فيصل السباعي
يمكن معرفة حقيقة موقف الثقافة العامة السائدة من المرأة وقدراتها الفكرية واهتمامها بتصفح المجلات العربية المخصصة للمرأة، وما سيلاحظه المتصفح لها حتى منها التي تعلن أنها موجهة لطبقة سيدات المجتمع وسيدات الأعمال أنه لا يوجد فيها أي حيز لمقالات الرأي والفكر، بينما المجلات النسائية الغربية الحيز الأساسي فيها هو حيز مقالات الفكر والرأي التي تعبر عن اهتمامات وقضايا ووجهة نظر النساء، وهناك مجلة عربية واحدة نسائية فيها حيز أحادي للرأي والكاتب فيه رجل! والرمزية السلبية واضحة لهذا الأمر، وبقية مادة المجلات النسائية تعبر عن النظرة التقليدية السلبية لاهتمامات النساء فهي لا تتجاوز الأزياء والطبخ وشائعات المشاهير، بينما بالواقع حتى ربة البيت بعصرنا لها اهتمامات تتجاوز هذه المجالات ولا تجد على سبيل المثال النساء في تويتر يكتبن عنها، إنما تجدهن يشاركن بقضايا الشأن العام والقضايا الحقوقية والفكرية والمعرفية والثقافية، ويعتبرنها إهانة عندما يرد عليهن أحد الخصوم بكلام عنصري من قبيل أن ترجع للمطبخ وما شابهه، فالنساء في الحقيقة يعتبرنها إهانة أن يتم اختزالهن في مجالات طرح المجلات النسائية التي تهمل تماماً حقيقة أن النساء في الخليج عموما حيث تصدر غالب المجلات النسائية وأشهرها هن الأعلى تعليماً وتفوقاً أكاديمياً، أي أن اهتماماتهن علمية فكرية معرفية عملية بشكل أساسي ولذا المجلات النسائية لا تمثلهن إنما تمثل صورة المرأة النمطية في الفكر الذكوري التقليدي ما قبل المرحلة الحالية التي تفوقت فيها النساء على الرجال في مجالي التعليم والعمل بكفاءتهن فقط رغم كل العراقيل التقليدية والمؤسساتية ضدهن، والرجال أنفسهم يعرفون أن المرأة ما عادت مجالات اهتمامها الحالية هي فقط الأزياء والمطبخ وشائعات المشاهير إنما المجلات النسائية التي غالباً رؤساء تحريرها رجال يستمدون سياساتهم من التصور اللاواعي التقليدي السلبي عن المرأة، وحتى زوايا المقابلات غالباً تقتصر مقابلاتها على شخصيات عالم الأزياء والطبخ وشهيرات الترفيه، ولا توجد مقابلات مع النساء الناجحات بمختلف المجالات العلمية والعملية والفكرية، بينما بالمجلات المخصصة للرجل تكون المقابلات مع الرجال الناجحين بالمجالات العلمية والعملية، بالإضافة بالطبع لوجود زوايا للرأي محصورة بالرجال مع أنه يفترض كعلاج أن يكون فيها حيز لإيصال رأي النساء المكتوم والمهضوم بالمجتمع إلى الرجال عبر مجلاتهم، ولذا بالتأكيد لن يمكن للمجلات النسائية أن تصمد طويلاً ولا تحقق نسبة انتشار واسعة طالما سياساتها منفصلة بالكامل عن واقع النساء الحقيقي؛ فهي على سبيل المثال لا تتناول القضايا التي تهم حتى ربات البيوت مثل العنف الأسري وحقوق المرأة في الزواج والطلاق والجرائم التي تقع ضد النساء ومسبباتها الثقافية، بينما يفترض أن تكون منصة لإيصال رأي وهموم النساء الحقيقية بمجالات كالحقوق الأساسية إلى الجانب الآخر، أي لا تكون موجهة فقط للنساء إنما تخاطب عموم المجتمع والرجال وتوصل إليهم صوت المرأة بدل أن تكون أداة قمع غير مباشر لفكر وإرادة واهتمامات النساء الحقيقية عبر فرض تلك الاهتمامات الهامشية النمطية عليهن، وكان يفترض أن يكون من المسلمات وجوب أن يكون كامل طاقم العاملين فيها ابتداء من رؤساء التحرير هو من النساء اللاتي لهن تخصصات أكاديمية وليس تخصصهن المهني هو الأزياء والمكياج أو أخبار وشائعات المشاهير، وللأسف إن الرجال الذين يرون المجالات النسائية يحسبون أن النساء بالفعل بمثل هذه السطحية والاهتمامات السخيفة الهامشية مما يرسخ وجهة النظر النمطية العنصرية السلبية ضد عقل النساء واهتماماتهن؛ لأن المجلات النسائية تلغي بالكامل أي وجود لعقل النساء وتحصرهن بالجسد والنساء يعتبرن حصرهن بالجسد أيضاً إهانة لأن الأهم هو الجوهر وليس المظهر.