-A +A
حمود أبو طالب
لسوء الحظ بدأت العمل في وزارة الصحة وهي في مرحلة ضعف وترهل وعدم وضوح رؤية، ولكن بعد وقت قصير جاء إلى الوزارة الدكتور أسامة شبكشي، رحمه الله، فاستبشرنا بقدومه لما له من خبرة متراكمة في مجال الطب والإدارة، وكنت وقتها قد بدأت الكتابة في «عكاظ»، وسبق أن حاولت الحديث عن أوضاع وزارة الصحة، لكني ووجهت بعدم الاكتراث تجاه ما أكتبه، وأحياناً التحذير المبطن كوني أعمل في الوزارة. وعندما تسلمها الدكتور أسامة وجدتها فرصة سانحة للكتابة عن المرض المزمن الذي يعتريها، فكتبت مقالاً طويلاً بعنوان «كيف الصحة» بعد أيام قليلة من توزيره.

يوم نشر المقال تلقيت اتصالات كثيرة من أشخاص يؤكدون أنه لن يتقبل المقال، وأن غضبه سيكون شديداً، وعقابه أشد. الذي حدث كان العكس تماماً، فقد تلقيت رسالة مستفيضة منه بعد ثلاثة أيام، يتفق فيها معي في كل ما ذكرته، ويشكرني على صراحتي، ويؤكد أنه يرحب دائماً بمساعدته على كشف الأخطاء وتصحيحها، وبعد ذلك لم يتضايق الدكتور أسامة من أي مقال نقدي للصحة يُكتب بموضوعية ويستند إلى معلومات صحيحة ويهدف إلى التحسين والتطوير.


مع الوقت اقتربت أكثر من الدكتور أسامة من خلال العمل، ومشاركتي في بعض اللجان، وفي مواسم الحج. نعم كان صارماً وحازماً وشديداً من أجل تسيير العمل بدقة وعدم التهاون تجاه التقصير مهما كان بسيطاً، لأنه كان يريد أن ينهض بالخدمات الصحية من ركامها، لكنه مع ذلك كان عادلاً ومنصفاً تجاه الكل. استلم وزارة الصحة وهي مثقلة بالديون وبلا خطة إستراتيجية أو أهداف رئيسية، تسير عشوائياً على غير هدى، فخلصها من ديونها، وفي ذات الوقت بدأت تدب الحياة في هيكلها وإداراتها ومشاريعها. ثماني سنوات قادها حققت فيها الوزارة نقلة نوعية كبرى في كل الجوانب، وأصبحت مشاريعها الجديدة في كل منطقة. وغادرها ناجحاً نزيهاً نظيفاً.

ولأني عرفته عن كثب، فقد كان ذلك المسؤول الصارم الجاد يملك قلباً رقيقاً ودمعة قريبة لأي موقف إنساني. مواقف كثيرة عايشتها معه رأيت فيها وجدانه الرهيف وأحاسيسه الشفافة. وبعد اعتزاله العمل بعد مسؤوليات كبيرة متعددة لم تصبه عقدة الابتعاد عن الضوء التي تصيب بعض المسؤولين، لأنه كان حاضراً ومضيئاً في المشهد الاجتماعي كشخصية يحترمها الجميع ويشهدون لها بالإنجاز ورقي الأخلاق وسمو الخصال.

لقد رحل الدكتور أسامة شبكشي إلى رحمة الله، لكنه سيبقى في ذاكرة المجتمع والوطن رمزاً كبيراً يستعصي على النسيان.