-A +A
رامي الخليفة العلي
استكمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولته الأفريقية، التي شملت الغابون وأنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والكونغو برازافيل، حيث شارك ماكرون في أعمال مؤتمر الغابة الواحدة، الذي يحاول الحفاظ على غابات نهر الكونغو والغطاء النباتي هناك. وقبيل الزيارة أكد الرئيس الفرنسي أن بلاده تسعى إلى تغيير سياستها تجاه القارة السمراء، عبر بناء شراكات وعلاقات متوازنة وجديدة ومتساوية. ولكن الكلام شيء والتطبيق شيء آخر، فلم يخرج ماكرون بشيء مختلف عمّن سبقوه من الرؤساء الفرنسيين الذين نظروا إلى أفريقيا باعتبارها منطقة نفوذ، وزيارتها هي جولة سياحية وتقليد، وأحياناً تعديل للسياسة بما يستجيب للمصالح الفرنسية، وليس بما يحقق ولو نزراً يسيراً من المصالح الأفريقية. نعم فرنسا تريد تغيير سياستها في القارة السمراء، ولكن ذلك مرتبط بتعاظم النفوذ الروسي والصيني والتركي. على امتداد السنوات الماضية بدا أن هذه الأطراف تسحب البساط من تحت أقدام فرنسا، وترسخ وجودها عبر الاستثمارات الاقتصادية أو حتى التواجد العسكري، وخصوصاً عبر ميليشيات فاغنر الروسية. لذلك اختار الرئيس ماكرون هذه الدول الأربع باعتبار أن علاقتها مع باريس أفضل من بقية الدول في منطقة الساحل والصحراء، حيث تواجه فرنسا رفضاً شعبياً ورسمياً، تجلى بمطالبة المجلس العسكري في مالي فرنسا بسحب قواتها من البلاد وتلتها بوركينا فاسو، وبالفعل تقلصت القواعد الفرنسية إلى سبع قواعد عسكرية. المفاجأة أن هذه الدول أيضاً تشهد رفضاً لفرنسا المدعوة لتغيير نهجها، فهي ليست اللاعب الوحيد، والأطراف الأخرى يمكن أن تتعامل باحترام أكبر مع دول القارة، بل هذا ما تفعله، أما الطريقة المتغطرسة التي يبديها المستعمر القديم فهي تثير غضب الأفارقة، وهذا تجلى في المؤتمر الصحفي الذي عقده ماكرون مع نظيره الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، أوضح الأخير أن أفريقيا ضاقت ذرعاً بالنظرة الأبوية الفرنسية، وجاء ذلك رداً على سؤال لصحفية فرنسية أوردت تعليقاً لوزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان، الذي شكك بنتائج الانتخابات التي أوصلت تشيسيكيدي إلى السلطة، فكان رد الرئيس الكونغولي حاداً عندما قال: لماذا تختلف رؤية الأشياء حين يتعلق الأمر بأفريقيا، لماذا لا تتحدثون عن تسوية أمريكية مثلاً، حينما تكون هناك مخالفات في الانتخابات الأمريكية، أو تسوية فرنسية حين تحدث مخالفات في الانتخابات الفرنسية خصوصاً زمن شيراك. حاول الرئيس الفرنسي مهاجمة نظيره الكونغولي عبر الحديث عن حرية الصحافة، ولكن تشيسيكيدي أوضح أن رده هو على لودريان الذي يمثل السلطة الفرنسية، وقال ذلك وهو يرفع سبابته بوجه ماكرون. ولم يكد الرئيس الفرنسي ينهي المؤتمر حتى اندلعت عاصفة من الانتقادات لماكرون باعتباره يشوه صورة فرنسا، فقد قال على سبيل المثال عمدة بلدية في إقليم با دو كاليه، لودوفيك باجوت، على حسابه في تويتر: «عندما تؤدي غطرسة الدبلوماسي المبتدئ ماكرون، إلى تشويه سمعة فرنسا في الخارج».

فشلت زيارة ماكرون إلى الدول الأفريقية الأربع من حيث الشكل ومن حيث المضمون، وبقيت فرنسا متخبطة في سياستها الأفريقية، وشمسها توشك على الغروب في صحاري أفريقيا، وتبدو باريس كالديك الذي يقفز في رقصته الأخيرة.