-A +A
حسين شبكشي
كنت في أمسية مختصرة جداً مع بعض الأصحاب مستغلين فيها الطقس الجميل في جدة هذه الفترة والتي نستمع بها مع نسمات النسيم العليلة. وكان من ضمن الحضور محام متخصص في الأحوال الشخصية والتحديات القانونية التي تجيء معها كالطلاق وحضانة الأطفال والميراث وغير ذلك وهو من زملاء المرحلة الدراسية ولم أكن قد رأيته منذ زمن بسبب مشاغل العمل وهموم الحياة. وكذلك كان من ضمن الحضور شاب في بدايات العشرين من عمره وهو أيضاً أحد عملاء صديقي المحامي لديه قضية مع أسرة والده الذي توفي فهو الابن الأصغر في الأسرة، بالإضافة لكونه الطفل الوحيد الذي أنجبه الأب من زوجته الثانية ويشعر الابن أن هناك تحايلاً عليه من إخوته ووالدتهم لحرمانه ووالدته من حقوقهم الشرعية.

بدأ صديقي المحامي كلامه بالقول إن ما يراه في ساحات القضاء من قضايا عديدة ومعقدة فيها الشيء الكثير من الظلم والافتراء بحق بعض أفراد الأسرة الضعاف نتاج تعدد الزوجات أصبح الأمر يقتضي مراجعة جادة في فكرة السماح المستمر للتعدد كمبدأ عام لأن شرط العدل الذي عليه القرآن بدأ يغيب بشكل عام في الكثير من حالات الزواج المتعدد وهو ما قاله الحق سبحانه وتعالى (ولن تعدلوا) والذي جاء كإضافة لما قال عز وجل (وإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة)، وواصل المحامي طرحه بقوله أعتقد أنه من الممكن استخدام نفس المنطق الشرعي الذي استخدم وقت إلغاء ومنع الرق بالرغم من كونه مباحاً شرعاً ولكن مع تطوّر المجتمع أدرك أن المصلحة باتت تقتضي منع تجارة العبيد، وبالتالي تم إلغاء الرق. وهو المنطق الذي جاء به قديماً أول الأئمة الأربعة الإمام أبو حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي الذي قال قولته الشهيرة: «أينما تكون المصلحة فثم شرع الله حتى لو تضارب النص مع المصلحة فيؤخذ بالمصلحة فلم تجيء الأديان لتتعارض مع مصلحة الناس».


فتح صديقي المحامي باباً مهماً ومثيراً للغاية عن موضوع بالغ الحساسية على الصعيد الاجتماعي تحديداً وهو يدرك تماماً أن طرح موضوع كهذا سيواجه بالصد العنيف والهجوم الأعنف نظراً لكونه شبه مقدس لدى عدد غير بسيط من رجال الدين وعدد أكبر من الرجال عموماً في المجتمع، ويعتبرونه من المقدسات والمنح الإلهية، بالرغم كون المسألة بعيدة تماماً عن العقائد الأساسية والمكونة للدين، وبالرغم من كل ذلك فهو يعتبر أن فتح الحوار في هذا الموضوع الشائك والمهم والمعقد هو صحي ومطلوب فيه أن تطرح المزايا والعيوب فيه بشكل واضح وصريح وشفاف ومتكامل لتقييم المسألة ومعرفة مزاياها وأضرارها الاجتماعية بشكل صادق.

لن تكون هذه هي الحالة الأولى التي يتم فيها مراجعة جادة لمنظومة تعدد الزوجات، فهناك عدد غير قليل من الدول الإسلامية التي راجعت تلك المسألة ومنها من ألغاها ومنها من قنّنها بشروط وقيود. مراجعة المسائل التشريعية بمفهوم المصلحة مسألة في غاية الأهمية وهناك العديد من الأمثلة من عصور الخلافة الراشدة وما بعدها يؤيد مبدأ مراعاة المصلحة العامة، وقد يكون من المفيد أن تحدث مراجعة عامة ودقيقة لاستمرار مبدأ التعدد بالشكل القائم الآن وضرورة النظر إليه من زاوية المصلحة العامة.