-A +A
حمود أبو طالب
والذي أعنيه هو الصديق العزيز، المحامي المستشار أسامة يماني، زميلنا الكاتب الذي يطل علينا بمقالاته في «عكاظ»، وهي مقالات يمكن وصفها على طريقة القصيدة القبّانية «كلمات ليست كالكلمات» فنقول إنها «مقالات ليست كالمقالات».

وهنا تجدر الإشارة إلى مفهوم بائس شاع في زمن ما أن الكتَّاب لا يشيدون بزملائهم، بل حتى لا ينوهوا عن اجتهاداتهم المتميزة فيما يكتبون، بسبب التنافس على الانتشار والذيوع والشهرة، وذلك لعمري مبدأ فاسد، فالكتابة لوجه الإفادة بما يجتهد به أي كاتب من بحث ينطلق من حرص على مزيد من الفائدة للمجتمع لجدير بالإشادة من الزميل قبل القارئ.


هنا، أنا لا أجامل الصديق أسامة، فليس هذا مكان المجاملة، ولكني أريد التنويه عن صنف الكتاب الذين يمكن بثقة أن نطلق على أحدهم الكاتب الباحث، الذي يصرف جل وقته في القراءة والبحث والاستنتاج، وتلخيص الفكرة المبلورة لتقديمها بأسلوب عميق وواضح ومفيد للقارئ.

الأخ أسامة تنطبق عليه بامتياز صفة هذا النوع من الكتاب، هو لا يكتب عادةً عن الشأن اليومي والمواضيع الخدماتية كما هو حال بعضنا من كتاب الأعمدة اليومية، بل عن الشأن الفكري، الفلسفي، التنويري، المفاهيمي، الذي يغير الأشياء على المدى الطويل، فإذا كان كاتب يومي يكتب عن مطبات الشوارع فكاتب مثل أسامة يكتب عن مطبات الفكر، وإذا كنا نكتب عن انقطاع الكهرباء والمياه فأسامة يكتب عن انقطاع التفكير في القضايا المصيرية الكبرى، والأهم أنه لا يكتب (انطباعات) متسرعة، بل آراء ناتجة عن قراءات عميقة وبحث مستفيض ومقارنات محايدة موضوعية غير منحازة لنزعة ذاتية أو ميول وهوى شخصي.

ثم ماذا؟

صديقنا أسامة قرر أن يعقد أمسية أسبوعية في منزله تناقش فيها المواضيع المهمة البارزة، يستضيف فيها من يتوسم فيهم العلم والمعرفة بالموضوع المراد نقاشه، ثم يمضي الحوار العلمي الموضوعي الحضاري كي يستفيد منه الجميع دون تعسف أو إملاءات أو مصادرة لرأي، والأهم في كل ذلك أن الوطن وأحلامه الكبرى هو الحاضر الأبرز في كل النقاشات، نتفق أو نختلف حول بعض التفاصيل، لكنه يظل الهاجس الذي يتوحد حوله الجميع ويتفقون عليه، ويرجون له الأفضل والأجمل.

لماذا أقول ما قلت؟ السبب واضح بالنسبة لي، هو وجود فئة من المثقفين الحقيقيين والوطنيين الحقيقيين الذين قد يعتقد البعض أنهم ليسوا مشغولين بالشأن الوطني من منطلق ثقافي فكري مستنير بسبب اعتقاد البعض أن مهنتهم أو مشاغلهم وأعمالهم أو أسباب أخرى تجعلهم مشغولين بذواتهم أكثر من أي شيء آخر، هذا غير صحيح.

وبالمناسبة هذا المقال ليس غرضه الإشادة بما يكتبه المستشار أسامة أو الحراك الفكري النشط الذي يتم في ندوته فحسب، وإنما أيضاً لدعوة النخب الفكرية وشريحة المثقفين للمساهمة في الحراك الوطني الإيجابي الكبير الذي يحدث الآن والذي يتطلب بالضرورة تطارح الأفكار البناءة والنقاش الجاد في كل الملفات ليس بالكتابة فقط وإنما بالحوار الذي ينطلق من قاعدة معرفية بهدف الدفع بالمشروع الوطني التأريخي الذي نعيشه إلى الأمام لتحقيق أهدافه الحاضرة والمستقبلية.