-A +A
رامي الخليفة العلي
شهدت العاصمة الروسية موسكو اجتماعاً ثلاثياً، ضم وزراء الدفاع ورؤساء الأجهزة الاستخباراتية في كل من تركيا وسوريا وروسيا. هذا الاجتماع وإن كان صادماً لشريحة واسعة من المعارضة السورية وقاعدتها الجماهيرية ولكنه كان متوقعاً، نظراً للتغيرات التي شهدتها السياسة التركية تجاه الملف السوري على امتداد السنوات الست الماضية. الرئيس التركي أردوغان أعلن في شهر أيار/‏مايو من العام 2016، أن بلاده بصدد وضع سياسة جديدة تجاه الأوضاع في سوريا، وبالفعل بدأت تلك السياسة بتقديم اعتذار للجانب الروسي عن إسقاط الطائرة الروسية وإعادة العلاقة مع موسكو والدخول في تفاهمات مع الجانب الروسي والإيراني لاقتسام الكعكة السورية. فكان ثمن دخول قوات النظام وحلفائه الروس والمليشيات الإيرانية إلى حلب هو عملية غصن الزيتون التي من خلالها سيطرت تركيا على شمال غرب سوريا في إدلب وريفها وجزء من ريف حلب. وهكذا سارت السياسة التركية معتمدة على المقايضات مع روسيا وإيران، فكانت البداية من خلال اتفاقية خفض التصعيد التي عملياً ضربت المعارضة السورية في مقتل فأوقفت أي دعم وفرقت فصائل المعارضة، فسهل على إيران والنظام وروسيا ضربها واحدة تلو أخرى. تقلصت الثورة السورية إلى مجرد كانتون صغير في الشمال الغربي تحت وصاية الاحتلال التركي، وهو ينتظر مصيره في إطار اتفاق تركي مع الأطراف الفاعلة، وها قد حانت اللحظة وبدأ العد التنازلي لعودة المناطق التي تسيطر عليها تركيا لسيطرة النظام، ونخشى أن الثمن هو تدمير هذه البقعة إسوة بباقي المناطق التي تم تدميرها. ما يحدث كان متوقعاً وفقط الأعمى لم يكن يدرك الاتجاه الذي تسير فيه السياسة التركية على امتداد السنوات الماضية، فأردوغان وحكومته مهووسة بشيء اسمه الأكراد، والهدف الأساسي هو القضاء على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حاول النظام التركي ذلك من خلال عملية عسكرية أرعد وأزبد بأنها قادمة لا محالة، ولكن الرفض الأمريكي جعل الخطاب التركي جعجعة بلا طحين، فانتقلت أنقرة إلى الخطة باء التي تنص على أن يعود النظام إلى السيطرة على مناطق قسد أي منطقة الجزيرة السورية، وهذا كان اقتراحاً روسياً ولكن موسكو أقنعت الجانب التركي أن هذه الخطة لا يمكن أن تمرر إلا من خلال تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهذا ما يحدث ويتوقع أن يتسارع خلال الفترة القادمة. قد يخرج عليك أحد السوريين ليقول لك إن لتركيا الحق بالحفاظ على مصالحها القومية، وهذا كلام حق يراد به باطل، فتركيا تتحمل جزءاً من المسؤولية عما حاق بسوريا خلال السنوات الماضية. أليس أردوغان من وعد أن يصلي في الجامع الأموي بعد سقوط الأسد؟ أليس أردوغان من قال إننا لن نسمح بحماة أخرى؟ أليس هو من أقنع السوريين أن تركيا لن تسمح بسقوط حلب؟ فعندما اقتنعت شرائح واسعة من السوريين بوعود تركيا الكاذبة اندفعت بالثورة وهي تعتقد أن هناك سنداً لها ولكنها اكتشفت أن هذا السند ليس أكثر من خنجر مسموم يتربص بها. إذا بقي هناك قليل من الكرامة لدى ما يسمى مؤسسات المعارضة السورية التابعة للائتلاف الوطني فعليها أن تحل نفسها وتعتذر للشعب السوري لأنها كانت جزءاً من الخديعة التي تعرض لها. وإذا لم تفعلوا فعليكم أن تدركوا أن تركيا طعنتكم بالظهر، فماذا أنتم فاعلون؟