-A +A
عبده خال
الحرب الروسية-الأوكرانية أدخلت العالم في تنبؤات ما الذي يمكن حدوثه من تداعيات سياسية واقتصادية واستراتيجية، وهل هي بداية لولادة الأقطاب المتعددة أم تثبيت قاعدة القطب الواحد خاصة أن الغرب مجتمعاً، استظل تحت مظلة أمريكا، وبعيداً عن ذكريات أسباب نشوء الحرب العالمية الثانية، يظل الواقع الراهن له ظروفه المغايرة عما حدث سابقاً بحكم تغير الزمن، وتغير السياسات ودخول أسلحة فتاكة يمكن لها تدمير العالم بأسره، فإذا كان السلاح الأمريكي هو الذي أنهى الحرب العالمية الثانية، فهذا السلاح تمتلكه دول عديدة تقف ضد القطب الواحد.

وإذا كانت الحربان العالميتان السابقتان مكونتين من دول الحلفاء ضد دول المحور، فنحن الآن نجد تغير تشكيلة الطرفين. فالحرب الروسية-الأوكرانية اصطفت خلفها دول الشرق ضد دول الغرب (وإن كان الاصطفاف مع روسيا غير معلن، إلا أنه يبدو كذلك)، ومع مرور الأيام يتضح تعقّد الأزمة وابتعاد فرص، مما يعني خلق تفاعلات دولية بين دول المشرق التي تنبّهت أن التحالف قائم على السعي صوب المصالح الوطنية وليس وفق التحالف من أجل التحالف، فقد أثبتت الأحداث أن القطب الواحد سعى عبر سنوات ماضية لتحقيق مصالحه الوطنية تاركاً حلفاءه وفق ظرف الواقع، فأمريكا مثلاً تغافلت عن حلفائها في أوقات مختلفة، فهي متواجدة مع الحليف حين تكون مصالحها مع بقاء ذلك الحليف، وإلا فهي سريعة التخلي.


وبغض النظر عما تسفر عنه الحرب تكشّف للدول أن الحليف الحقيقي لكل دولة هو القوة الذاتية، وأن الطاقة والغذاء هما العنصران الرئيسيان اللذان يحددان تلك القوة الذاتية.

ومهما كانت مجهودات الدول التي لم تفصح عن موقفها من تلك الحرب كاصطفاف، إلا أن مبادرات البحث عن حل هو أشبه بتكوّن أو عودة دول عدم الانحياز، وسواء تمثل هذا في الوقوف على مسافة واحدة من الأطراف المتحاربة، إلا أن الحقيقة الدامغة في الوجود هي أن تكون قوياً، بامتلاكك للطاقة والغذاء، فبهما تطمئن وتضع رأسك أينما أردت، فقد حققت العدل لنفسك.