-A +A
عبداللطيف الضويحي
لا تكمن تحديات اللغة العربية في مقرراتها التعليمية وطرق تدريسها أو المنافسة غير العادلة من اللغات الأجنبية المخدومة لغوياً وسياسياً وثقافياً من أهل تلك اللغات، ولا من مزاحمة بعض اللهجات المحلية المدفوعة إما بالأمية وأنصاف المتعلمين أو بعض النعرات المؤدلجة، لكن التحدي الأهم هو عدم إيجاد آليات تنفيذية تترجم النظريات والمخرجات الجميلة التي خلصت إليها مجامع اللغة العربية ومراكز الدراسات والبحوث والمعاهد اللغوية والمؤسسات الأكاديمية والتربوية.

جميع المؤسسات المعنية بخدمة وتطوير وحماية اللغة العربية تدور في فلك واحد، تطحن نفس الطحين وتخبز ذات الخبز من مؤسسات أخرى. إنها مؤسسات يستنسخ بعضها بعضاً، والسبب أن العلاقة بين هذه المؤسسات هي علاقة تنافسية في الغالب وليست علاقة تكاملية.


لكن انعدام آليات تنفيذ لترجمة النتائج والملخصات المعنية بتطوير وحماية اللغة العربية بحاجة إلى موارد مالية وبشرية كفؤة في اللغة وفي مجالات أخرى، وذلك لتحديث برامج ومنهجيات عصرية في تدريس اللغة العربية وتفعيل استخداماتها في مواكبة منهجيات التعليم الحديث والتطبيقات العملية لاستخدامات اللغات المنتشرة في العالم، في ضوء مجالات الرقمنة والذكاء الصناعي وبقية المعطيات العصرية. وهذا يجعلني أطالب بالخروج قليلاً من عباءة اللغويين ومشاركتهم من قبل التقنيين والرقميين بجانب بلورة آليات عصرية عملية تخدم اللغة العربية والنحو العربي والمعجم العربي إلخ، وعدم الاعتماد على اللغويين فقط في هذا المجال.

من هنا، استوقفني توقيع البنك الإسلامي مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم منذ أيام اتفاقية منحةِ مساعدةٍ فنية بشأن تطوير إطار مرجعي مشترك للغة العربية تعليماً وتعلماً وتقييماً، وبموجبها يساهم البنك بتمويل المشروع، فيما تتولى المنظمة تنفيذ المشروع. ويهدف المشروع، حسبما ذكر البيان، إلى تعزيز استخدام اللغة العربية كلغة ووسيلة للتطوير والبحث العلمي، كما يهدف المشروع إلى بلورة إطار مرجعي مشترك للغة العربية في سبيل مواءمة وتوحيد محتوى المناهج، والممارسات التعليمية، وآليات التقييم، وعمليات اعتماد تصديق الشهادات لتدريس تعليم اللغة العربية وتعلمها. بجانب تعزيز الروابط اللغوية بين الدول الأعضاء بمجموعة البنك الناطقة بالعربية والناطقة بغيرها، وذلك من خلال تشجيع وتسهيل استخدام اللغة العربية.

إن مشروع تطوير اللغة العربية المشترك بين البنك الإسلامي والمنظمة العربية للتربية والعلوم، في تصوري، هو أهم مشروع لخدمة اللغة العربية وتطويرها وحمايتها في العصر الحديث، لأنه أولاً لا يستنسخ ما قامت به مؤسسات أخرى، من قبل، ولأنه من ناحية أخرى، يجسر الهوة بين النخبة والشارع العربي من خلال آليات تنفيذية، وردم الهوة بين طرفي المعادلة. كما أنه يجسر الهوة بين الناطقين بالعربية وغير الناطقين بها، ومن خلال أدوات عملية وآليات عمل تترجم أفضل الممارسات فيما توصل إليه المنظرون في اللغة إلى برامج ومسارات وبآليات عمل وأدوات تطبيقية وتنفيذية.

إنني أشيد بوعي القائمين على البنك الإسلامي في تبني ودعم هذا المشروع وما يشابهه من مشاريع تلامس الهوية والثقافة، وأدعو، في الوقت نفسه، الصناديق العربية إلى أن تحذو حذو البنك الإسلامي في دعم وتمويل مشاريع تطوير وتحديث وحماية اللغة العربية ورقمنتها تحت مظلة وإشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

كما أتوجه للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالعمل على إيجاد شراكات مع القطاع الخاص للقيام بالجانب التنفيذي لأنه الأقدر على العمل الاحترافي والاستدامة، في حين تتولى المنظمة وضع الأهداف وتطويرها والإشراف والرقابة والمحاسبة على الشركات الموكل لها تنفيذ المشاريع.

إنني لن أختم هذا المقال قبل أن أوجه اللوم للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على اختصارها اسمها بحروف إنجليزية هي (الإلكسو)! فهل يجوز لمنظمة تعد مرجعية في اللغة العربية أن تختصر اسمها بحروف إنجليزية؟ ومن قال إن الاسم المختصر يجب أن يتكون من مجموع الحروف من كل كلمة من في الاسم الكامل للمنظمة؟ إنني أقترح الاستفادة من تجربة السعودية وقد تكون كذلك في دول عربية أخرى، وتتمثل بطفرة مسميات عربية يتم إطلاقها على المنصات الرقمية مثل: «إحسان»، «أبشر»، «توكلنا»، «نافذ،»، «نبراس»... إلخ. هذه المسميات تحتاج إلى أن تعمل المنظمة على مطبخ متخصص لإنتاجها وتعميمها ومتابعة تطبيقها عربياً.

إننا ننتظر من منظمتنا العربية «منظمة التربية والثقافة والعلوم»، بالتزامن مع #اليوم_العالمي_للغة_العربية القادم، تبني وإطلاق مشروع مع كامل آلياته العملية التنفيذية في تعريب الاسم المختصر للمنظمات والمؤسسات الحكومية والتجارية وغير الربحية. كيفية إنتاج الاسم ووضع قواعد تسهّل التسميات المختصرة، ومن ثم آليات تعميمه على المؤسسات المعنية في كل دولة من دولنا العربية وخارجها إذا لزم الأمر. على أن يبدأ المشروع بمنظمات واتحادات جامعة الدول العربية أولاً وقبل أي جهة أخرى، كما أقترح على منظمتنا العربية الموقرة أن تعمل على إعداد وتنفيذ برنامج تأهيلي متقدم بمهارات لغوية اتصالية لتمكين الشخصيات القيادية والإعلامية الحكومية وغير الحكومية العربية وغير العربية الراغبة بالتواصل بلغة عربية سليمة ومفهومة، بدلاً من التحدث بنصف العربية ونصف الإنجليزية.

ختاماً، اللغة العربية لا تحتاج مؤسسات مكررة، تطحن ذات الطحين وتخبز ذات الخبز، إنما بحاجة لعقول توجد آليات ومنهجيات تنفيذية لإيصال النظريات والتوصيات النخبوية إلى الشارع العربي، وتعصرن وتحدث وتواكب الرقمنة والذكاء الصناعي.