-A +A
عبداللطيف الضويحي
ما تقوم به هيئة التخصصات الصحية حيال الأطباء والممارسين الصحيين والمؤسسات الصحية ليس عملا سهلا أو روتينيا، إنها تأخذ على عاتقها الارتقاء بالأداء المهني وتطويره للأطباء والممارسين الصحيين في مختلف تخصصات الأطباء ومساعديهم والأخصائيين والفنيين، بما في ذلك من فرز الأفقي والرأسي للكفاءات والقدرات الطبية والصحية، من خلال تشكيل جميع المجالس العلمية الصحية وما يتفرع عنها ومنها من لجان، ووضع البرامج الصحية التخصصية، والإشراف على الامتحانات التخصصية المختلفة وبجانب ما تقوم به الهيئة من إشراف على الامتحانات التخصصية المختلفة، ومنح الشهادات، ومنها شهادة الزمالة السعودية وهو ما يعرف بالبورد السعودي.

فهل يتوازى الجهد الذي تقوم به هيئة التخصصات الصحية حالياً مع المردود الذي تحصل عليه الهيئة ويحصل عليه القطاع الصحي والمجتمع والدولة؟ أليس بوسع الهيئة أن تعظم الفائدة والمردود والعائد من كل ما تستثمره من جهد ومال ووقت في فرز وتصنيف وتدقيق وتحقق وتقييم وتقويم للممارسين الصحيين وشهاداتهم وتخصصاتهم، بجانب ما تقوم به وتستثمره الهيئة من جهد ومال ووقت مماثل مع المؤسسات الصحية؟ ما الذي يمنع الهيئة من تخطي عتبة الخدمة المهنية النخبوية الضيقة إلى فضاء المجتمع ورحابة العمومية؟


إن عملا إضافيا محدودا كفيلٌ باستكمال دورة النجاح وتوصيل نطاقها الواسع بالفائدة العظيمة التي تحققها الهيئة والقطاع الصحي حاليا. ليس المطلوب جهدا إضافيا كبيرا أو استثمارا كبيرا ليتحقق الهدف، ففي ظني أن المطلوب لا يتجاوز 10% من الجهد الحالي للاستثمار في ما تحقق بغرض استكمال الهدف العام والوصول بالخدمة للجمهور الواسع في المجتمع المحلي والخارجي. حتى لو تم ذلك عن طريق فتح المجال للقطاع الخاص وبمرجعية الهيئة.

إن خصخصة القطاع الصحي، بجانب ما يتملكه هذا القطاع من مقومات بشرية متخصصة وقدرات وطاقات وخبرات طبية نادرة في عدد من المجالات الدقيقة، بالإضافة إلى البنية التحتية المهيأة والتجهيزات المواكبة التي تتمتع بها المشفيات السعودية الحكومية والخاصة والعسكرية، بالإضافة للخدمات الصحية الرقمية المأمولة من خلال المشفى السعودي الرقمي بمستهدفاته الطموحة في الداخل والخارج، كل ذلك يشير بوضوح إلى أهمية انفتاح هيئة التخصصات الصحية بشكل أكبر وأوسع في تقديم خدماتها للعامة والتحلي بمرونة أكبر مع هذه المستجدات، بحيث يستطيع القطاع الصحي السعودي أن يلعب دوره الجديد في الاقتصاد المحلي من خلال الانفتاح بشكل أكبر على تقديم الخدمات الطبية والصحية للخارج بجانب ما يقدمه للداخل. وتقديم الخدمات الصحية السعودية للخارج ليست جديدة، إلا أن المستهدفات الجديدة والتطورات الإستراتيجية التي يمر بها القطاع الصحي السعودي كغيره من القطاعات، بما في ذلك استهداف الاستثمار في السياحة العلاجية، يتطلب كل ذلك بجانب المقومات المتوفرة، العمل على بروزه وإبراز أسماء المتخصصين وخاصة الأسماء الطبية والممارسين الطبيين ذوي التصنيفات المرموقة، بجانب تنظيف السوق والمنصات والإعلام من الأسماء التي قفزت إلى الصدارة إعلاميا في غفلة من المرجعية الحقيقية لهذه التصنيفات.

من حق كل طبيب وممارس صحي في المملكة أن يتم تقييمه وتصنيفه من قبل هيئة التخصصات الصحية، ومن حقه أيضا أن ينعكس هذا التقييم والتصنيف على اسمه وسمعته في السوق ومن حقه أن ينعكس تقييم وتصنيف الهيئة له على مردوده المادي والمعنوي في كمية ونوعية عمله. إن مسؤولية الهيئة يجب أن تتعدى النطاق الصحي المهني الضيق إلى ما هو أوسع، حتى لو اقتضى ذلك تشريعا يعطي الهيئة صلاحيات أوسع. في تصوري أن الهيئة مسؤولة أخلاقيا مثلما هي مسؤولة مهنيا بأن تعطي الأطباء والممارسين حقهم في السوق، بحيث يكون الترتيب المهني مطابقا للترتيب المادي والمعنوي الاجتماعي في سوق العمل كما يجب وينبغي. أقول هذا وأنادي به، لأن التصنيف البديل عن تصنيف الهيئة هو تصنيف المستشفيات لأطبائها المبني على التجارة، ولأن التصنيف البديل عن تصنيف الهيئة هو تصنيف مشاهير الإعلام الاجتماعي، ولأن البديل عن تصنيف الهيئة للأطباء والممارسين، وتصنيف تجارب الناس المعزولة والمختلف عليه. فلأن هيئة التخصصات الصحية انسحبت من السوق ولم تكمل دورها كمرجعية مهنية وأخلاقية، أصبحنا لا نجد سوى تصنيفات المستشفى التجاري وأصبحنا لا نجد سوى التصنيفات حسب مشاهير الإعلام الاجتماعي، وحسب التجارب الفردية.