-A +A
أحمد الجميعة
الرأي العام في أي مجتمع يعبّر عن مواقفه وتوجهاته تجاه القضايا والموضوعات المثارة بقصد التأثير، والمشاركة في صناعة القرار، ويتشكّل غالباً خلال تحالف المعرفة والسلوك في التعاطي مع الأحداث التي تمس الشريحة الأكبر من المجتمع، وينشأ من ردة فعل، ويتطور إلى حالة تبنٍ للأفكار والأيديولوجيا التي تغذيه، ويحتفظ في كل مراحله بصورة نمطية عن الواقع، واستشراف المستقبل برؤية أحادية وربما انطباعية تتعدد معها الآراء، وتتحول مع المتغيرات والوسائل إلى حالة تكرار وإلحاح وانتشار في الفضاء السيبراني؛ لإعادة إنتاج النقد والانتقاد في رسالة تعبير عن الموقف.

في عالمنا اليوم إلى أي مدى يمكن لأي مجتمع صناعة رأيه العام الوطني من دون تدخلات أو تحيزات، أو إثارة أو جدل، أو اصطفاف عشوائي مع المجموع، وإلى أي مدى يمكن قراءة التفاصيل وفرز المواقف على أساس موضوعي، وهل الفجوات والتحديات وحدهما سبب في إنتاج خطاب التبني بحثاً عن رأي عام يلتحق به البعض لتمرير توجهاته، وتعليق أجراسه، ونشر رسائله بغض النظر عن مصالح الوطن العليا؟.


أسئلة كثيرة ننحت فيها الواقع لنحكم عليه، ونرمم معها المفاهيم لنصل إلى قناعة من أن الرأي العام لأي مجتمع لا يمكن قياسه من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى سوق حرة للأفكار، وإن بقيت مؤشراً مهماً لتوجهاته، ولكنها ليست حكماً على مواقفه، وقيمه وثوابته الوطنية، فلا يوجد رأي عام نقي من شبهات المأجورين بتغريداتهم، وتعليقاتهم، والمحسوبين بأفكارهم على جماعات مؤدلجة ومتطرفة، أو حاقدين مندسين خلف ستار الحرية التي يتحدد سقفها وهامشها وفق مصالح فئوية ضيقة.

المجتمع السعودي اليوم بوعيه، وقيمه، وثبات مواقفه؛ يدرك أن رأيه العام ليس فضاءً يعبر من خلاله الآخرون ليتحدثوا بالنيابة عنهم، أو يشكّلونه وفق رغباتهم وأجنداتهم، ولكنه رأي عام ينطلق من معلومة مصدرها صحيح ودقيق، ويبني موقفه بناءً عليها، وينطلق من حالة توافق وانسجام مع توجهات قيادته وحكومته في الحفاظ على المكتسبات الوطنية، والتمسك بها كأصول ثابتة، وليس بحاجة إلى ممارسين نشيطين في تلوين الحقائق في شبكات التواصل الاجتماعي؛ لأن الواقع يكشف في كل مرة أن السعوديين حينما يعبّرون عن آرائهم ومواقفهم وحتى انتقاداتهم؛ يتذكرون دائماً أن وطنهم في أمنه واستقراره وتنميته هو أهم من أنفسهم وليس فقط آرائهم.